المسألة السادسة : لو فاتته صلوات يستحب أن يقضيها على ترتيب الأداء فلو ترك الترتيب في قضائها جاز عند الشافعي رحمه الله ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة نظر إن كان في الوقت سعة استحب أن يبدأ بالفائتة ولو بدأ بصلاة الوقت جاز وإن ضاق الوقت بحيث لو بدأ بالفائتة فات الوقت يجب أن يبدأ بصلاة الوقت حتى لا تفوت ولو تذكر الفائتة بعدما شرع في صلاة الوقت أتمها ثم قضى الفائتة ويستحب أن يعيد صلاة الوقت بعدها ولا يجب وقال أبو حنيفة رحمه الله يجب الترتيب في قضاء الفوائت ما لم تزد على صلاة يوم وليلة حتى قال : لو تذكر في خلال صلاة الوقت فائتة تركها اليوم يبطل فرض الوقت فيقضي الفائتة ثم يعيد صلاة الوقت إلا أن يكون الوقت ضيقاً فلا تبطل حجة أبي حنيفة رحمه الله الآية والخبر والأثر والقياس، أما الآية فقوله تعالى :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ﴾ أي لتذكرها واللام بمعنى عند كقوله :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ (الإسراء : ٧٨) أي عند دلوكها فمعنى الآية أقم الصلاة المتذكرة عند تذكرها وذلك يقتضي رعاية الترتيب وأما الخبر فقوله عليه السلام :"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها" والفاء للتعقيب وأيضاً روى جابر بن عبد الله قال :"جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول يا رسول الله ما صليت صلاة العصر حتى كادت تغيب الشمس قال النبي صلى الله عليه وسلّم وأنا والله ما صليتها بعد قال فنزل إلى البطحاء وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ثم صلى المغرب بعدها وهذا الحديث مذكور في "الصحيحين" قالت الحنفية والاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنه عليه الصلاة والسلام قال :"صلوا كما رأيتموني أصلي" فلما صلى الفوائت على الولاء وجب علينا ذلك. والثاني : إن فعل النبي صلى الله عليه وسلّم إذا خرج مخرج البيان للمجمل كان حجة وهذا الفعل خرج بياناً لمجمل قوله تعالى :﴿وَأَنْ أَقِيمُوا ﴾ (النور : ٥٦) ولهذا قلنا إن الفوائت إذا كانت في حد القلة يجب مراعاة الترتيب فيها وإذا دخلت في حد الكثرة يسقط الترتيب وأما الأثر فما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال :"من فاتته صلاة فلم يذكرها إلا في صلاة الإمام فليمض في صلاته فإذا قضى صلاته مع الإمام / يصلي ما فاته ثم ليعد التي صلاها مع الإمام" وقد يروى هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، وأما القياس فهو أنهما صلاتان فريضتان جمعهما وقت واحد في اليوم والليلة فأشبهتا صلاتي عرفة والمزدلفة فلما لم يجب إسقاط الترتيب فيهما وجب أن يكون حكم الفوائت فيما دون اليوم والليلة كذلك حجة الشافعي رحمه الله أنه روى في حديث أبي قتادة :"أنهم لما ناموا عن صلاة الفجر ثم انتبهوا بعد طلوع الشمس أمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يقودوا رواحلهم ثم صلاها" ولو كان وقت التذكر معيناً للصلاة لما جاز ذلك فعلمنا أن ذلك الوقت وقت لتقرر الوجوب عليه لكن لا على سبيل التضييق بل على سبيل التوسع إذا ثبت هذا فنقول إيجاب قضاء الفوائت وإيجاب أداء فرض الوقت الحاضر يجري مجرى التخيير بين الواجبين فوجب أن يكون المكلف مخيراً في تقديم أيهما شاء ولأنه لو كان الترتيب في الفوائت شرطاً لما سقط بالنسيان ألا ترى أنه إذا صلى الظهر والعصر بعرفة في يوم غيم ثم تبين أنه صلى الظهر قبل الزوال والعصر بعد الزوال فإنه يعيدهما جميعاً ولم يسقط الترتيب بالنسيان لما كان شرطاً فيهما فههنا أيضاً لو كان شرطاً فيهما لما كان يسقط بالنسيان.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٢١
٢٤
اعلم أنه تعالى لما خاطب موسى عليه السلام بقوله :﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا﴾ (طه : ١٤) أتبعه بقوله :﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ وما أليق هذا بتأويل من تأول قوله ﴿لِذِكْرِى ﴾ أي لأذكرك بالأمانة والكرامة فقال عقيب ذلك :﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ﴾ لأنها وقت الإثابة ووقت المجازاة ثم قال :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ وفيه سؤالان :


الصفحة التالية
Icon