﴿حَكِيمٌ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال : ٦٤) وقال :﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ (المائدة : ٦٧) فإن قيل : أليس قوله :﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يقتضي كون محمد يتوكأ على المؤمنين ؟
قلنا قوله :﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ معطوف على الكاف في قوله :﴿حَسْبَكَ اللَّه ﴾ والمعنى الله حسبك، وحسب من اتبعك من المؤمنين. الثالث : قوله :﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى﴾ أي أخبط بها فأضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها على غنمي فتأكله. وقال أهل / اللغة : هش على غنمه، يهش بضم الهاء في المستقبل، وهششت الرجل أهش بفتح الهاء في المستقبل، وهش الرغيف يهش بكسر الهاء. قاله ثعلب، وقرأ عكرمة :(وأهس) بالسين غير المنقوطة، والهش زجر الغنم، واعلم أن غنمه رعيته فبدأ بمصالح نفسه في قوله :﴿قَالَ هِىَ﴾ ثم بمصالح رعيته في قوله :﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى﴾ فكذلك في القيامة يبدأ بنفسه فيقول : نفسي نفسي ومحمد صلى الله عليه وسلّم لم يشتغل في الدنيا إلا بإصلاح أمر الأمة :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ (الأنفال : ٣٣). "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" فلا جرم يوم القيامة يبدأ أيضاً بأمته فيقول :"أمتي أمتي". والرابع : قوله :﴿وَلِىَ فِيهَا مَـاَارِبُ أُخْرَى ﴾ أي حوائج ومنافع واحدتها مأربة بفتح الراء وضمها، وحكى ابن الأعرابي وقطرب بكسر الراء أيضاً، والأرب بفتح الراء، والإربة بكسر الألف وسكون الراء الحاجة، وإنما قال أخرى لأن المآرب في معنى جماعة فكأنه قال : جماعة من الحاجات أخرى ولو جاءت أخر لكان صواباً كما قال :﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ (البقرة : ١٨٤) ثم ههنا نكت. إحداها : أنه لما سمع قول الله تعالى :﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ عرف أن لله فيه أسراراً عظيمة فذكر ما عرف وعبر عن البواقي التي ما عرفها إجمالاً لا تفصيلاً بقوله :﴿وَلِىَ فِيهَا مَـاَارِبُ أُخْرَى ﴾. وثانيها : أن موسى عليه السلام أحس بأنه تعالى إنما سأله عن أمر العصا لمنافع عظيمة. فقال موسى : إلهي ما هذه العصا إلا كغيرها، لكنك لما سألت عنها عرفت أن لي فيها مآرب أخرى ومن جملتها أنك كلمتني بسببها فوجدت هذا الأمر العظيم الشريف بسببها. وثالثها : أن موسى عليه السلام أجمل رجاء أن يسأل ربه عن تلك المآرب فيسمع كلام الله مرة أخرى ويطول أمر المكالمة بسبب ذلك. ورابعها : أنه بسبب اللطف انطلق لسانه ثم غلبته الدهشة فانقطع لسانه وتشوش فكره فأجمل مرة أخرى، ثم قال وهب : كانت ذات شعبتين كالمحجن، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا حاول كسره لواه بالشعبتين، (و)إذا سار وضعها على عاتقه يعلق فيها أدواته من القوس والكنانة والثياب، وإذا كان في البرية ركزها وألقى كساء عليها فكانت ظلاً. وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً ويصيران شمعتين في الليالي، وإذا ظهر عدو حاربت عنه. وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت. وكان يحمل عليها زاده وماءه وكانت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نصب وكانت تقيه الهوام. واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكر هذه الجوابات أمره الله تعالى بإلقاء العصا فقال :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٢٨


الصفحة التالية
Icon