﴿فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام : ٤٣) وقال عليه السلام :"لا يقولون أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت" ولكن يجزم فيقول : اللهم اغفر لي فلهذا السر جزم موسى عليه السلام بالدعاء وقال رب اشرح لي صدري. الوجه الخامس : في فضل الدعاء قوله تعالى :﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ (غافر : ٦٠) وفيه كرامة عظيمة لأمتنا لأن بني إسرائيل فضلهم الله تفضيلاً عظيماً فقال في حقهم :﴿وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾ (البقرة : ٤٧) وقال أيضاً :﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِه يَـاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ﴾ (المائدة : ٢٠) ثم مع هذه الدرجة العظيمة قالوا لموسى عليه السلام :﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ ﴾ (البقرة : ٦٨) وأن الحواريين مع جلالتهم في قولهم :﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾ (آل عمران : ٥٢) سألوا عيسى عليه السلام أن يسأل لهم مائدة تنزل من السماء ثم إنه سبحانه وتعالى رفع هذه الواسطة في أمتنا فقال مخاطباً لهم من غير واسطة :﴿ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ وقال :﴿وَسْـاَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِه ﴾ (النساء : ٣٢) فلهذا السبب لما حصلت هذه الفضيلة لهذه الأمة وكان موسى عليه السلام قد عرفها لا جرم فقال :"اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم" فلا جرم رفع يديه ابتداء فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ واعلم أنه تعالى قال :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ (البقرة : ١٨٦) ثم إنه تعالى جعل العباد على سبعة أقسام : أحدها : عبد العصمة :﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ﴾ (الحجر : ٤٢) وموسى عليه السلام كان مخصوصاً بمزيد العصمة :﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى﴾ (طه : ٤١) فلا جرم طلب زوائد العصمة فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وثانيها : عبد الصفوة :﴿وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ا ﴾ (
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
النمل : ٥٩) وموسى عليه السلام كان مخصوصاً بمزيد الصفوة :﴿قَالَ يَـامُوسَى ا إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَـالَـاتِي وَبِكَلَـامِي﴾ (الأعراف : ١٤٤) فلا جرم أراد مزيد الصفوة فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وثالثها : عبد البشارة :﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه ا أولئك الَّذِينَ هَدَاـاهُمُ اللَّه وَ أولئك هُمْ﴾ (الزمر : ١٧، ١٨) وكان موسى عليه السلام مخصوصاً بذلك :﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ (طه : ١٣) فأراد مزيد البشارة فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. ورابعها : عبد الكرامة :﴿الْمُتَّقِينَ * يَـاعِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ﴾ (الزخرف : ٦٨) وموسى عليه السلام كان مخصوصاً بذلك :﴿لا تَخَافَآا إِنَّنِى مَعَكُمَآ﴾ (طه : ٤٦) فأراد الزيادة عليها فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وخامسها : عبد المغفرة :﴿نَبِّئْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الحجر : ٤٩)، وكان موسى عليه السلام مخصوصاً بذلك :﴿رَبِّ اغْفِرْ لِى﴾ (ص : ٣٥) فغفر له فأراد الزيادة فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وسادسها : عبد الخدمة :﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ (البقرة : ٢١) وموسى عليه السلام كان مخصوصاً بذلك :﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى﴾ فطلب الزيادة فيها فقال :﴿اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وسابعها : عبد القربة :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌا أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (البقرة : ١٨٦) وموسى عليه السلام كان مخصوصاً بالقرب :﴿وَنَـادَيْنَـاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الايْمَنِ وَقَرَّبْنَـاهُ نَجِيًّا﴾ (مريم : ٥٢) فأراد كمال القرب فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦


الصفحة التالية
Icon