﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه ﴾ (الزمر : ٢٢) واعلم أن الله تعالى ذكر عشرة أشياء ووصفها بالنور، أحدها : وصف ذاته بالنور :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (النور : ٣٥). وثانيها : الرسول :﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَـابٌ مُّبِينٌ﴾ (المائدة : ١٥). وثالثها : القرآن :﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَه ا ﴾ (الأعراف : ١٥٧). ورابعها : الإيمان :﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـاُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ (التوبة : ٣٢). وخامسها : عدل الله :﴿وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ (الزمر : ٦٩). وسادسها : ضياء القمر :﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ (نوح : ١٦)، وسابعها : النهار :﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَـاتِ وَالنُّورَ ﴾ (الأنعام : ١). وثامنها : البينات :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاـاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾ (المائدة : ٤٤). وتاسعها : الأنبياء :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ (النور : ٣٥). وعاشرها : المعرفة :﴿مَثَلُ نُورِه كَمِشْكَـاوةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ (النور : ٣٥) إذا ثبت هذا فنقول كأن موسى عليه السلام قال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ بمعرفة أنوار جلالك وكبريائك. وثانيها : رب اشرح لي صدري، بالتخلق بأخلاق رسلك وأنبيائك. وثالثها : رب اشرح لي صدري، باتباع وحيك وامتثال أمرك ونهيك. ورابعها : رب اشرح لي صدري، بنور الإيمان والإيقان بإلهيتك. وخامسها : رب اشرح صدري بالإطلاع على أسرار عدلك في قضائك وحكمك. وسادسها : رب اشرح لي صدري بالإنتقال من نور شمسك وقمرك إلى أنوار جلال عزتك كما فعله إبراهيم عليه السلام حيث انتقل من الكوكب والقمر والشمس إلى حضرة العزة. وسابعها : رب اشرح لي صدري من مطالعة نهارك وليلك إلى مطالعة نهار فضلك وليل عدلك. وثامنها : رب اشرح لي صدري بالإطلاع على مجامع آياتك ومعاقد بيناتك في أرضك وسمواتك. وتاسعها : رب اشرح لي صدري في أن أكون خلف صور الأنبياء المتقدمين ومتشبهاً بهم في الإنقياد لحكم رب العالمين. وعاشرها : رب اشرح لي صدري بأن تجعل سراج الإيمان في قلبي كالمشكاة التي فيها المصباح، واعلم أن شرح الصدر عبارة عن إيقاد النور في القلب حتى يصير القلب كالسراج وذلك النور كالنار، ومعلوم أن من أراد أن يستوقد سراجاً احتاج إلى سبعة أشياء : زند وحجر وحراق وكبريت ومسرجة وفتيلة ودهن. فالعبد إذا طلب النور الذي هو شرح الصدر افتقر إلى هذه السبعة. فأولها : لا بد من زند المجاهدة :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
﴿وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ (العنكبوت : ٦٩). وثانيها : حجر التضرع :﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ (الأعراف : ٥٥). وثالثها : حراق منع الهوى :﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ (النازعات : ٤٠). ورابعها : كبريت الإنابة :﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ الزمر : ٥٤) ملطخاً رؤوس تلك / الخشبات بكبريت توبوا إلى الله. وخامسها : مسرجة الصبر :﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ ﴾ (البقرة : ٤٥). وسادسها : فتيلة الشكر :﴿لَـاـاِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ ﴾ (إبراهيم : ٧). وسابعها : دهن الرضا :﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ (الطور : ٤٨) أي ارض بقضاء ربك فإذا صلحت هذه الأدوات فلا تعول عليها بل ينبغي أن لا تطلب المقصود إلا من حضرته :﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ (فاطر : ٢) ثم اطلبها بالخشوع والخضوع :﴿وَخَشَعَتِ الاصْوَاتُ لِلرَّحْمَـانِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا﴾ (طه : ١٠٨) فعند ذلك ترفع يد التضرع وتقول :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ فهنالك تسمع ؛ ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَـامُوسَى ﴾ (طه : ٣٦) ثم نقول هذا النور الروحاني المسمى بشرح الصدر أفضل من الشمس الجسمانية لوجوه : أحدها : الشمس تحجبها غمامة وشمس المعرفة لا يحجبها السموات السبع :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (فاطر : ١٠). وثانيها : الشمس تغيب ليلاً وتعود نهاراً قال إبراهيم عليه السلام :﴿لا أُحِبُّ الافِلِينَ﴾ (الأنعام : ٧٦) أما شمس المعرفة فلا تغيب ليلاً :﴿إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ﴾ (المزمل : ٦) ﴿وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالاسْحَارِ﴾ (آل عمران : ١٧) بل أكمل الخلع الروحانية تحصل في الليل :﴿سُبْحَـانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلا﴾ (الإسراء : ١). وثالثها : الشمس تفنى :﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ (
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦


الصفحة التالية
Icon