التكوير : ١) وشمس المعرفة لا تفنى :﴿سَلَـامٌ قَوْلا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ (يس : ٥٨). ورابعها : الشمس إذا قابلها القمر انكسفت أما ههنا فشمس المعرفة وهي معرفة أشهد أن لا إله إلا الله ما لم يقابلها قمر أشهد أن محمداً رسول الله لم يصل نوره إلى عالم الجوارح. وخامسها : الشمس تسود الوجوه والمعرفة تبيضها :﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ (آل عمران : ١٠٦). وسادسها : الشمس تحرق والمعرفة تنجي من الحرق، جزياً مؤمن فإن نورك قد أطفأ لهبي. وسابعها : الشمس تصدع والمعرفة تصعد :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (فاطر : ١٠). وثامنها : الشمس منفعتها في الدنيا والمعرفة منفعتها في العقبى :﴿وَالْبَـاقِيَـاتُ الصَّـالِحَـاتُ خَيْرٌ﴾ (الكهف : ٤٦). وتاسعها : الشمس في السماء زينة لأهل الأرض والمعرفة في الأرض زينة لأهل السماء. وعاشرها : الشمس فوقاني الصورة تحتاني المعنى وذلك يدل على الحسد مع التكبر، والمعارف الإلهية تحتانية الصورة فوقانية المعنى، وذلك يدل على التواضع مع الشرف. وحادي عشرها : الشمس تعرف أحوال الخلق وبالمعرفة يصل القلب إلى الخالق. وثاني عشرها : الشمس تقع على الولي والعدو والمعرفة لا تحصل إلا للولي فلما كانت المعرفة موصوفة بهذه الصفات النفيسة لا جرم قال موسى :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ وأما النكت : فإحداها : الشمس سراج استوقدها الله تعالى للفناء :﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ (الرحمن : ٢٦) والمعرفة استوقدها للبقاء فالذي خلقها للفناء لو قرب الشيطان منها لاحترق :﴿شِهَابًا رَّصَدًا﴾ (الجن : ٩) والمعرفة التي خلقها للبقاء كيف يقرب منها الشيطان :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وثانيتها : استوقد الله الشمس في السماء وإنها تزيل الظلمة عن بيتك مع بعدها عن بيتك، وأوقد شمس المعرفة في قلبك أفلا تزيل ظلمة المعصية والكفر عن قلبك مع قربها منك. وثالثتها : من استوقد سراجاً فإنه لا يزال يتعهده ويمده والله تعالى هو الموقد لسراج المعرفة :﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمَـانَ﴾ (الحجرات : ٧) أفلا يمده وهو معنى قوله :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
ورابعتها : اللص إذا رأى السراج يوقد في البيت لا يقرب منه والله قد أوقد سراج المعرفة في / قلبك فكيف يقرب الشيطان منه فلهذا قال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾. وخامستها : المجوس أوقدوا ناراً فلا يريدون إطفاءها والملك القدوس أوقد سراج الإيمان في قلبك فكيف يرضى بإطفائه، واعلم أنه سبحانه وتعالى أعطى قلب المؤمن تسع كرامات، أحدها : الحياة :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ﴾ (الأنعام : ١٢٢) فلما رغب موسى عليه السلام في الحياة الروحانية قال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ ثم النكتة أنه عليه السلام قال من أحيا أرضاً ميتة فهي له فالعبد لما أحيا أرضاً فهي له فالرب لما خلق القلب وأحياه بنور الإيمان فكيف يجوز أن يكون لغيره فيه نصيب :﴿قُلِ اللَّه ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ (الأنعام : ٩١) وكما أن الإيمان حياة القلب بالكفر موته :﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍا وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (النحل : ٢١). وثانيها : الشفاء :﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ (التوبة : ١٤) فلما رغب موسى في الشفاء رفع الأيدي قال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ والنكتة أنه تعالى لما جعل الشفاء في العسل بقي شفاء أبداً فههنا لما وضع الشفاء في الصدر فكيف لا يبقى شفاء أبداً. وثالثها : الطهارة :﴿ أولئك الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾ (الحجرات : ٣) فلما رغب موسى عليه السلام في تحصيل طهارة التقوى قال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ والنكتة أن الصائغ إذا امتحن الذهب مرة فبعد ذلك لا يدخله في النار فههنا لما امتحن الله قلب المؤمن فكيف يدخله النار ثانياً ولكن الله يدخل في النار قلب الكافر :﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (الأنفال : ٣٧). ورابعها : الهداية ومن يؤمن بالله يهد قلبه فرغب موسى عليه السلام في طلب زوائد الهداية فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ والنكتة أن الرسول يهدي نفسك والقرآن يهدي روحك والمولى يهدي قلبك فلما كانت الهداية من الكفر من محمد صلى الله عليه وسلّم لا جرم تارة تحصل وأخرى لا تحصل :﴿إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ (
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦


الصفحة التالية
Icon