المسألة الثالثة : اختلفوا في أنه عليه السلام لم طلب حل تلك العقدة على وجوه. أحدها : لئلا يقع في أداء الرسالة خلل ألبتة. وثانيها : لإزالة التنفير لأن العقدة في اللسان قد تفضي إلى الإستخفاف بقائلها وعدم الالتفات إليه. وثالثها : إظهاراً للمعجزة فكما أن حبس لسان زكريا عليه السلام عن الكلام كان معجزاً في حقه فكذا إطلاق لسان موسى عليه السلام معجز في حقه. ورابعها : طلب السهولة لأن إيراد مثل هذا الكلام على مثل فرعون في جبروته وكبره عسر جداً فإذا انضم إليه تعقد اللسان بلغ العسر إلى النهاية، فسأل ربه إزالة تلك العقدة تخفيفاً وتسهيلاً.
المسألة الرابعة : قال الحسن رحمه الله : إن تلك العقدة زالت بالكلية بدليل قوله تعالى :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَـامُوسَى ﴾ (طه : ٣٦) وهو ضعيف لأنه عليه السلام لم يقل واحلل العقدة من لساني بل قال :﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى﴾ فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء قليل لقوله : حكاية عن فرعون ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ (الزخرف : ٥٢) أي يقارب أن لا يبين وفي ذلك دلالة على أنه كان يبين مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب عنه من وجهين. أحدهما : المراد بقوله : ولا يكاد يبين أي لا يأتي ببيان ولا حجة. والثاني : إن كاد بمعنى قرب ولو كان المراد هو البيان اللساني لكان معناه أنه لا يقارب البيان فكان فيه نفي البيان بالكلية وذلك باطل لأنه خاطب فرعون والجمع وكانوا يفقهون كلامه فكيف يمكن نفي البيان أصلاً بل إنما قال ذلك تمويهاً ليصرف الوجوه عنه قال أهل الإشارة إنما قال :﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى﴾ لأن حل العقد كلها نصيب محمد صلى الله عليه وسلّم وقال تعالى :﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ (الأنعام : ١٥٢) فلما كان ذلك حقاً ليتيم أبي طالب لا جرم ما دار حوله والله أعلم.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
المطلوب الرابع : قوله :﴿وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى﴾ واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون لأنه خاف من نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر فطلب المعين أو لأنه رأى أن للتعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة مزية عظيمة في أمر الدعاء إلى الله ولذلك قال عيسى ابن مريم :﴿مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾ (آل عمران : ٥٢) وقال لمحمد صلى الله عليه وسلّم :﴿حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال : ٦٤) وقال عليه السلام :"إن لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين، فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر" وههنا مسائل :
المسألة الأولى : الوزير من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه أو من الوزر / وهو الجبل الذي يتحصن به لأن الملك يعتصم برأيه في رعيته ويفوض إليه أموره أو من الموازرة وهي المعاونة، والموازرة مأخوذة من إزار الرجل وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل أمر صعب قاله الأصمعي وكان القياس أزيراً فقلبت الهمزة إلى الواو.
المسألة الثانية : قال عليه السلام :"إذا أراد الله بملك خيراً قيض له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن نوى خيراً أعانه وإن أراد شراً كفه" وكان أنوشروان يقول : لا يستغني أجود السيوف عن الصقل، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعلم الملوك عن الوزير.
المسألة الثالثة : إن قيل الإستعانة بالوزير إنما يحتاج إليها الملوك أما الرسول المكلف بتبليغ الرسالة والوحي من الله تعالى إلى قوم على التعيين فمن أين ينفعه الوزير ؟
وأيضاً فإنه عليه السلام سأل ربه أن يجعله شريكاً له في النبوة فقال :﴿وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى﴾ فكيف يكون وزيراً. والجواب : عن الأول أن التعاون على الأمر والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة له مزية عظيمة في تأثير الدعاء إلى الله تعالى فكان موسى عليه السلام واثقاً بأخيه هرون فسأل ربه أن يشد به أزره حتى يتحمل عنه ما يمكن من الثقل في الإبلاغ.
المطلوب الخامس : أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه.


الصفحة التالية
Icon