المطلوب السادس : أن يكون الوزير الذي من أهله هو أخوه هرون وإنما سأل ذلك لوجهين. أحدهما : أن التعاون على الدين منقبة عظيمة فأراد أن لا تحصل هذه الدرجة إلا لأهله، أو لأن كل واحد منهما كان في غاية المحبة لصاحبه والموافقة له، وقوله هرون في انتصابه وجهان. أحدهما : أنه مفعول الجعل على تقدير اجعل هرون أخي وزيراً لي. والثاني : على البدل من وزيراً وأخي نعت لهرون أو بدل، واعلم أن هرون عليه السلام كان مخصوصاً بأمور منها الفصاحة لقوله تعالى عن موسى :﴿وَأَخِى هَـارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَانًا﴾ (القصص : ٣٤) ومنها أنه كان فيه رفق قال :﴿أَمْرِى * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى ﴾ (طه : ٩٤) ومنها أنه كان أكبر سناً منه.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
المطلوب السابع : قوله : أشدد به أزري وفيه مسائل :
المسألة الأولى : القراءة العامة :﴿اشْدُدْ بِه أَزْرِى * وَأَشْرِكْهُ﴾ على الدعاء وقرأ ابن عامر وحده :﴿اشْدُدْ بِه أَزْرِى * وَأَشْرِكْهُ﴾ على الجزاء والجواب، حكاية عن موسى عليه السلام أي أنا أفعل ذلك ويجوز لمن قرأ على لفظ الأمر أن يجعل ﴿أَخِى﴾ مرفوعاً على الابتداء ﴿اشْدُدْ بِه أَزْرِى * وَأَشْرِكْهُ﴾ خبره ويوقف على هرون.
المسألة الثانية : الأزر القوة وآزره قواه قال تعالى :﴿فَـاَازَرَه ﴾ أي أعانه قال أبو عبيدة ﴿أَزْرِى﴾ أي ظهري وفي كتاب الخليل : الأزر الظهر.
المسألة الثالثة : أنه عليه السلام لما طلب من الله تعالى أن جعل هرون وزيراً له طلب منه أن يشد به أزره ويجعله ناصراً له لأنه لا اعتماد على القرابة.
المطلوب الثامن : قوله :﴿وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى﴾ والأمر ههنا النبوة، وإنما قال ذلك لأنه عليه السلام علم أنه يشد به عضده وهو أكبر منه سناً وأفصح منه لساناً ثم إنه سبحانه وتعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال :﴿كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ والتسبيح يحتمل أن يكون باللسان وأن يكون بالاعتقاد، وعلى كلا التقديرين فالتسبيح تنزيه الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله عما لا يليق به، وأما الذكر فهو عبارة عن وصف الله تعالى بصفات الجلال والكبرياء ولا شك أن النفي مقدم على الإثبات، أما قوله تعالى :﴿إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ ففيه وجوه : أحدها : إنك عالم بأنا لا نريد بهذه الطاعات إلا وجهك ورضاك ولا نريد بها أحداً سواك. وثانيها :﴿كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ لأن هذه الاستعانة بهذه الأشياء لأجل حاجتي في النبوة إليها. وثالثها : إنك بصير بوجوه مصالحنا فأعطنا ما هو أصلح لنا، وإنما قيد الدعاء بهذا إجلالاً لربه عن أن يتحكم عليه وتفويضاً للأمر بالكلية إليه.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
٥٣
اعلم أن السؤال هو الطلب فعل بمعنى مفعول كقولك خبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول، واعلم أن موسى عليه السلام لما سأل ربه تلك الأمور الثمانية، وكان من المعلوم أن قيامه بما كلف به تكليف لا يتكامل إلا بإجابته إليها، لا جرم أجابه الله تعالى إليها ليكون أقدر على الإبلاغ على الحد الذي كلف به فقال :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَـامُوسَى ﴾ وعد ذلك من النعم العظام عليه لما فيه من وجوه المصالح ثم قال :﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ فنبه بذلك على أمور : أحدها : كأنه تعالى قال : إني راعيت مصلحتك قبل سؤالك فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال. وثانيها : إني كنت قد ربيتك فلو منعتك الآن مطلوبك لكان ذلك رداً بعد القبول وإساءة بعد الإحسان فكيف يليق بكرمي. وثالثها : إنا لما أعطيناك في الأزمنة السالفة كل ما احتجت إليه ورقيناك من حالة نازلة إلى درجة عالية دل هذا على أن نصبناك لمنصب عال ومهم عظيم فكيف يليق بمثل هذه الرتبة المنع من المطلوب، وههنا سؤالان :
السؤال الأول : لم ذكر تلك النعم بلفظ المنة مع أن هذه اللفظة لفظة مؤذية والمقام مقام التلطف ؟
والجواب إنما ذكر ذلك ليعرف موسى عليه السلام أن هذه النعم التي وصلت إليه ما كان مستحقاً لشيء منها بل إنما خصه الله تعالى بها بمحض التفضل والإحسان.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣


الصفحة التالية
Icon