البحث الثاني : في كيفية الأخذ قولان/ أحدهما : أن امرأة فرعون كانت بحيث تستسقي الجواري فبصرت بالتابوت فأمرت به فأخذت التابوت فيكون المراد من أخذ فرعون التابوت قبوله له واستحبابه إياه. الثاني : أن البحر ألقى التابوت بموضع من الساحل فيه فوهة نهر فرعون ثم أداه النهر إلى بركة فرعون فلما رآه أخذه.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣
البحث الثالث : قوله :﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّه ﴾ فيه إشكال وهو أن موسى عليه السلام لم يكن ذلك الوقت بحيث يعادى. وجوابه : أما كونه عدواً لله من جهة كفره وعتوه فظاهر وأما كونه عدواً لموسى عليه السلام فيحتمل من حيث إنه لو ظهر له حالة لقتله ويحتمل أنه من حيث يؤول أمره إلى ما آل إليه من العداوة. المنة الثانية : قوله :﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى﴾ وفيه قولان : الأول : وألقيت عليك محبة هي مني قال الزمخشري :﴿مِّنِّى﴾ لا يخلو إما أن يتعلق بألقيت فيكون المعنى على أني أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب، وإما أن يتعلق بمحذوف وهذا هو القول الثاني ويكون ذلك المحذوف صفة لمحبة أي وألقيت عليك محبة حاصلة مني واقعة بخلقي فلذلك أحبتك امرأة فرعون حتى قالت :﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَا لا تَقْتُلُوهُ﴾ (القصص : ٩) يروى أنه كانت على وجهه مسحة جمال وفي عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه وهو كقوله تعالى :﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـانُ وُدًّا﴾ (مريم : ٩٦) قال القاضي : هذا الوجه أقرب لأنه في حال صغره لا يكاد يوصف بمحبة الله تعالى التي ظاهرها من جهة الدين لأن ذلك إنما يستعمل في المكلف من حيث استحقاق الثواب والمراد أن ما ذكرنا من كيفيته في الخلقة يستحلي ويغتبط فكذلك كانت حاله مع فرعون وامرأته وسهل الله تعالى له منهما في التربية ما لا مزيد عليه ويمكن أن يقال بل الاحتمال الأول أرجح لأن الاحتمال الثاني يحوج إلى الإضمار وهو أن يقال : وألقيت عليك محبة حاصلة مني وواقعة بتخليقي وعلى التقدير الأول لا حاجة إلى هذا الإضمار بقي قوله : إنه حال صباه لا يحصل له محبة الله تعالى قلنا : لا نسلم فإن محبة الله تعالى يرجع معناها إلى إيصال النفع إلى عباده وهذا المعنى كان حاصلاً في حقه في حال صباه وعلم الله تعالى أن ذلك يستمر إلى آخر عمره فلا جرم أطلق عليه لفظ المحبة. المنة الثالثة : قوله :﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾ قال القفال : لترى على عيني أي على وفق إرادتي، ومجاز هذا أن من صنع لإنسان شيئاً وهو حاضر ينظر إليه صنعه له كما يحب ولا يمكنه أن يفعل ما يخالف غرضه فكذا ههنا وفي كيفية المجاز قولان : الأول : المراد من العين العلم أن ترى على علم مني ولما كان العالم بالشيء يحرسه عن الآفات / كما أن الناظر إليه يحرسه عن الآفات أطلق لفظ العين على العلم لاشتباههما من هذا الوجه. الثاني : المراد من العين الحراسة وذلك لأن الناظر إلى الشيء يحرسه عما يؤذيه فالعين كأنها سبب الحراسة فأطلق اسم السبب على المسبب مجازاً وهو كقوله تعالى :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ (طه : ٤٦) ويقال : عين الله عليك إذا دعا لك بالحفظ والحياطة، قال القاضي ظاهر القرآن يدل على أن المراد من قوله :﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾ الحفظ والحياطة كقوله تعالى :﴿إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُه ا فَرَجَعْنَـاكَ إِلَى ا أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ﴾ فصار ذلك كالتفسير لحياطة الله تعالى له، بقي ههنا بحثان :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣
الأول : الواو في قوله :﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾ فيه ثلاثة أوجه. أحدها : كأنه قيل :﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾ ألقيت عليك محبة مني ثم يكون قوله :﴿إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ﴾ متعلقاً بأول الكلام وهو قوله :﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى ا أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾ وإذ تمشي أختك. وثانيها : يجوز أن يكون قوله :﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾ متعلقاً بما بعده وهو قوله :﴿إِذْ تَمْشِى ﴾ وذكرنا مثل هذين الوجهين في قوله :﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام : ٧٥). وثالثها : يجوز أن تكون الواو مقحمة أي وألقيت عليك محبة مني لتصنع وهذا ضعيف.


الصفحة التالية
Icon