الثاني : قرىء ولتصنع بكسر اللام وسكونها والجزم على أنه أمر وقرىء ولتصنع بفتح التاء والنصب أي وليكون عملك وتصرفك على علم مني. المنة الرابعة : قوله :﴿إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ﴾ واعلم أن العامل في إذ تمشى ألقيت أو تصنع، يروى أنه لما فشا الخبر بمصر أن آل فرعون أخذوا غلاماً في النيل وكان لا يرتضع من ثدي كل امرأة يؤتى بها لأن الله تعالى قد حرم عليه المراضع غير أمه اضطروا إلى تتبع النساء فلما رأت ذلك أخت موسى جاءت إليهم متنكرة فقالت :﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى ا أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَه لَكُمْ﴾ (القصص : ١٢) ثم جاءت بالأم فقبل ثديها فرجع إلى أمه بما لطف الله تعالى له من هذا التدبير. أما قوله تعالى :﴿فَرَجَعْنَـاكَ إِلَى ا أُمِّكَ﴾ أي رددناك، وقال في موضع آخر :﴿فَرَدَدْنَـاهُ إِلَى ا أُمِّه ﴾ (القصص : ١٣) وهو كقوله :﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ (المؤمنون : ٩٩) أي ردوني إلى الدنيا، أما قوله :﴿كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ﴾ فالمراد أن المقصود من ردك إليها حصول السرور لها وزوال الحزن عنها، فإن قيل : لو قال كي لا تحزن وتقر عينها كان الكلام مفيداً لأنه لا يلزم من نفي الحزن حصول السرور لها، وأما لما قال أولاً كي تقر عينها كان قوله بعد ذلك :﴿وَلا تَحْزَنَ ﴾ فضلاً لأنه متى حصل السرور وجب زوال الغم لا محالة، قلنا : المراد أنه تقر عينها بسبب وصولك إليها فيزول عنها الحزن بسبب عدم وصول لبن غيرها إلى باطنك. والمنة الخامسة : قوله :﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَـاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾ فالمراد به وقتلت بعد كبرك نفساً وهو الرجل الذي قتله خطأ بأن وكزه حيث استغاثه الإسرائيلي عليه وكان قبطياً فحصل له الغم من وجهين، أحدهما : من عقاب الدنيا وهو اقتصاص فرعون منه ما حكى الله تعالى عنه :﴿فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَآاـاِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ (القصص : ١٨) والآخر من عقاب الله تعالى حيث قتله لا بأمر الله فنجاه الله تعالى من الغمين، أما من فرعون فحين وفق له المهاجرة إلى مدين / وأما من عقاب الآخرة فلأنه سبحانه وتعالى غفر له ذلك. المنة السادسة : قوله :﴿وَفَتَنَّـاكَ فُتُونًا ﴾ وفيه أبحاث :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣
البحث الأول : في قوله :﴿فُتُونًا ﴾ وجهان : أحدهما : أنه مصدر كالعكوف والجلوس والمعنى وفتناك حقاً وذلك على مذهبهم في تأكيد الأخبار بالمصادر كقوله تعالى :﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ (النساء : ١٦٤)، والثاني : أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كحجوز وبدور في حجزة وبدرة أي فتناك ضروباً من الفتن وههنا سؤالان. السؤال الأول : إن الله تعالى عدد أنواع مننه على موسى عليه السلام في هذا المقام فكيف يليق بهذا الموضع قوله :﴿وَفَتَنَّـاكَ فُتُونًا ﴾. الجواب عنه من وجهين : أحدهما : أن الفتنة تشديد المحنة، يقال فتن فلان عن دينه إذا اشتدت عليه المحنة حتى رجع عن دينه قال تعالى :﴿فَإِذَآ أُوذِىَ فِى اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ (العنكبوت : ١٠) وقال تعالى :﴿الاـم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـاذِبِينَ﴾ (العنكبوت : ١ ـ ٣) وقال :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُما مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ (البقرة : ٢١٤) فالزلزلة المذكورة في الآية ومس البأساء والضراء هي الفتنة والفتون، ولما كان التشديد في المحنة مما يوجب كثرة الثواب لا جرم عده الله تعالى من جملة النعم. وثانيها :﴿وَفَتَنَّـاكَ فُتُونًا ﴾ أي خلصناك تخليصاً من قولهم : فتنت الذهب من الفضة إذا أردت تخليصه وسأل سعيد بن جبير بن عباس عن الفتون فقال : نستأنف له نهاراً يا ابن جبير. ثم لما أصبح أخذ ابن عباس يقرأ عليه الآيات الواردة في شأن موسى عليه السلام من ابتداء أمره فذكر قصة فرعون وقتله أولاد بني إسرائيل ثم قصة إلقاء موسى عليه السلام في اليم والتقاط آل فرعون إياه وامتناعه من الإرتضاع من الأجانب، ثم قصة أن موسى عليه السلام أخذ لحية فرعون ووضعه الجمرة في فيه، ثم قصة قتل القبطي، ثم هربه إلى مدين وصيرورته أجيراً لشعيب عليه السلام، ثم عوده إلى مصر وأنه أخطأ الطريق في الليلة المظلمة واستئناسة بالنار من الشجرة وكان عند تمام كل واحدة منها يقول هذا من الفتون يا ابن جبير.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣


الصفحة التالية
Icon