السؤال الثاني : هل يصح إطلاق اسم الفتان عليه سبحانه اشتقاقاً من قوله :﴿وَفَتَنَّـاكَ فُتُونًا ﴾ والجواب لا لأنه صفة ذم في العرف وأسماء الله تعالى توقيفية لا سيما فيما يوهم ما لا ينبغي. المنة السابعة : قوله تعالى :﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَـامُوسَى ﴾ واعلم أن التقدير :﴿وَفَتَنَّـاكَ فُتُونًا ﴾ فخرجت خائفاً إلى أهل مدين فلبثت سنين فيهم، أما مدة اللبث فقال أبو مسلم : إنها مشروحة في قوله تعالى :﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ ـ إلى قوله ـ ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاجَلَ﴾ (القصص : ٢٩) وهي إما عشرة وإما ثمان لقوله تعالى :﴿عَلَى ا أَن تَأْجُرَنِى ثَمَـانِىَ حِجَجٍا فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ﴾ (القصص : ٢٧) وقال وهب : لبث موسى عليه السلام عند شعيب عليه السلام ثمانياً وعشرين سنة منها عشر سنين / مهر امرأته، والآية تدل على أنه عليه السلام لبث عنده عشر سنين وليس فيها ما ينفي الزيادة على العشر، واعلم أن قوله :﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ بعد قوله :﴿وَفَتَنَّـاكَ فُتُونًا ﴾ كالدلالة على أن لبثه في مدين من الفتون وكذلك كان، فإنه عليه السلام تحمل بسبب الفقر والغربة محناً كثيرة، واحتاج إلى أن آجر نفسه، أما قوله تعالى :﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَـامُوسَى ﴾ فلا بد من حذف في الكلام لأنه على قدر أمر من الأمور، وذكروا في ذلك المحذوف وجوهاً. أحدها : أنه سبق في قضائي وقدري أن أجعلك رسولاً لي في وقت معين عينته لذلك فما جئت إلا على ذلك القدر لا قبله ولا بعده، ومنه قوله :﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر : ٤٩)، وثانيها : على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة. وثالثها : أن القدر هو الموعد فإن ثبت أنه تقدم هذا الموعد صح حمله عليه، ولا يمتنع ذلك لاحتمال أن شعيباً عليه السلام أو غيره من الأنبياء كانوا قد عينوا ذلك الموعد، فإن قيل : كيف ذكر الله تعالى مجيء موسى عليه السلام في ذلك الوقت من جملة مننه عليه، قلنا : لأنه لولا توفيقه له لما تهيأ شيء من ذلك. المنة الثامنة : قوله تعالى :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣
﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى﴾ والاصطناع اتخاذ الصنعة، وهي افتعال من الصنع. يقال : اصطنع فلان فلاناً أي اتخذه صنيعه، فإن قيل : إنه تعالى غني عن الكل فما معنى قوله لنفسي. والجواب عنه من وجوه : الأول : أن هذا تمثيل لأنه تعالى لما أعطاه من منزلة التقريب والتكريم والتكليم مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك لجوامع خصال فيه أهلاً لأن يكون أقرب الناس منزلة إليه وأشدهم قرباً منه. وثانيها : قالت المعتزلة : إنه سبحانه وتعالى إذا كلف عباده وجب عليه أن يلطف بهم ومن جملة الألطاف ما لا يعلم إلا سمعاً فلو لم يصطنعه بالرسالة لبقي في عهدة الواجب فصار موسى عليه السلام كالنائب عن ربه في أداء ما وجب على الله تعالى، فصح أن يقول : واصطنعتك لنفسي، قال القفال واصطنعتك أصله من قولهم اصطنع فلان فلاناً إذا أحسن إليه حتى يضاف إليه فيقال : هذا صنيع فلان وجريح فلان وقوله لنفسي : أي لأصرفك في أوامري لئلا تشتغل بغير ما أمرتك به وهو إقامة حجتي وتبليغ رسالتي وأن تكون في حركاتك وسكناتك لي لا لنفسك ولا لغيرك، واعلم أنه سبحانه وتعالى لما عدد عليه المنن الثمانية في مقابلة تلك الالتماسات الثمانية رتب على ذكر ذلك أمراً ونهياً، أما الأمر فهو أنه سبحانه وتعالى أعاد الأمر بالأول فقال :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـاَايَـاتِى﴾ واعلم أنه سبحانه وتعالى لما قال :﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى﴾ عقبه بذكر ماله اصطنعه وهو الإبلاغ والأداء ثم ههنا مسائل :
المسألة الأولى : الباء ههنا بمعنى مع وذلك لأنهما لو ذهبا إليه بدون آية معهما لم يلزمه الإيمان وذلك من أقوى الدلائل على فساد التقليد.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣


الصفحة التالية
Icon