المسألة الثانية : اختلفوا في الآيات المذكورة ههنا على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها اليد والعصا لأنهما اللذان جرى ذكرهما في هذا الموضع وفي سائر المواضع التي اقتص الله تعالى فيها / حديث موسى عليه السلام فإنه تعالى لم يذكر في شيء منها أنه عليه السلام قد أوتي قبل مجيئه إلى فرعون ولا بعد مجيئه حتى لقي فرعون فالتمس منه آية غير هاتين الآيتين قال تعالى عنه :﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَه فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـاظِرِينَ﴾ (الشعراء : ٣١ ـ ٣٣) وقال :﴿فَذَانِكَ بُرْهَـانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلايْه ﴾ (القصص : ٣٢) فإذا قيل لهؤلاء كيف يطلق لفظ الجمع على الاثنين أجابوا بوجوه : الأول : أن العصا ما كانت آية واحدة بل كانت آيات فإن انقلاب العصا حيواناً آية ثم إنها في أول الأمر كانت صغيرة لقوله تعالى :﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ (النمل : ١٠) ثم كانت تعظم وهذه آية أخرى، ثم كانت تصير ثعباناً وهذه آية أخرى. ثم إن موسى عليه السلام كان يدخل يده في فيها فما كانت تضر موسى عليه السلام فهذه آية أخرى ثم كانت تنقلب خشبة فهذه آية أخرى، وكذلك اليد فإن بياضها آية وشعاعها آية أخرى ثم زوالهما بعد حصولهما آية أخرى فصح أنهما كانتا آيات كثيرة لا آيتان. الثاني : هب أن العصا أمر واحد لكن فيها آيات كثيرة لأن انقلابها حية يدل على وجود إله قادر على الكل عالم بالكل حكيم ويدل على نبوة موسى عليه السلام ويدل على جواز الحشر حيث انقلب الجماد حيواناً فهذه آيات كثيرة ولذلك قال :﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ إلى قوله :﴿فِيهِ ءَايَـاتُا بَيِّنَـاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ (آل عمران : ٩٦، ٩٧) فإذا وصف الشيء الواحد بأن فيه آيات فالشيئان أولى بذلك. الثالث : من الناس من قال : أقل الجمع إثنان على ما عرفت في أصول الفقه. القول الثاني : أن قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـاَايَـاتِى﴾ معناه أني أمدكما بآياتي وأظهر على أيديكما من الآيات ما تزاح به العلل من فرعون وقومه فاذهبا فإن آياتي معكما كما يقال اذهب فإن جندي معك أي أني أمدك بهم متى احتجت. القول الثالث : أن الله تعالى آتاه العصا واليد وحل عقدة لسانه وذلك أيضاً معجز فكانت الآيات ثلاثة هذا هو شرح الأمر أما النهي فهو قوله تعالى :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣
﴿وَلا تَنِيَا فِى ذِكْرِى﴾ الوني الفتور والتقصير وقرىء ولا تنيا بكسر حرف المضارعة للاتباع ثم قيل فيه أقوال : أحدها : المعنى لا تنيا بل اتخذا ذكرى آلة لتحصيل المقاصد واعتقدا أن أمراً من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري والحكمة فيه أن من ذكر جلال الله استحقر غيره فلا يخاف أحداً ولأن من ذكر جلال الله تقوى روحه بذلك الذكر فلا يضعف في المقصود، ولأن ذاكر الله تعالى لا بد وأن يكون ذاكراً لإحسانه وذاكر إحسانه لا يفتر في أداء أوامره. وثانيها : المراد بالذكر تبليغ الرسالة فإن الذكر يقع على كل العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها فكان جديراً بأن يطلق عليه اسم الذكر. وثالثها : قوله :﴿وَلا تَنِيَا فِى ذِكْرِى﴾ عند فرعون وكيفية الذكر هو أن يذكرا لفرعون وقومه أن الله تعالى لا يرضى منهم بالكفر ويذكرا لهم أمر الثواب والعقاب والترغيب والترهيب. ورابعها : أن يذكرا لفرعون آلاء الله ونعماءه وأنواع إحسانه إليه ثم قال بعد ذلك :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّه طَغَى ﴾ وفيه سؤالان : الأول : ما الفائدة في ذلك بعد قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـاَايَـاتِى﴾ قال القفال فيه وجهان. أحدهما : أن قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـاَايَـاتِى﴾ يحتمل أن يكون كل واحد منهما / مأموراً بالذهاب على الانفراد فقيل مرة أخرى اذهبا ليعرفا أن المراد منه أن يشتغلا بذلك جميعاً لا أن ينفرد به هرون دون موسى. والثاني : أن قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـاَايَـاتِى﴾ أمر بالذهاب إلى كل الناس من بني إسرائيل وقوم فرعون، ثم إن قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ أمر بالذهاب إلى فرعون وحده.


الصفحة التالية
Icon