السؤال الثاني : قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ خطاب مع موسى وهرون عليهما السلام وهذا مشكل لأن هرون عليه السلام لم يكن حاضراً هناك وكذلك في قوله تعالى :﴿قَالا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ (طه : ٤٥) أجاب القفال عنه من وجوه. أحدها : أن الكلام كان مع موسى عليه السلام وحده إلا أنه كان متبوع هرون فجعل الخطاب معه خطاباً مع هرون وكلام هرون على سبيل التقدير فالخطاب في تلك الحالة وإن كان مع موسى عليه السلام وحده إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله :﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ (البقرة : ٧٢) وقوله :﴿لَـاـاِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاعَزُّ مِنْهَا الاذَلَّ ﴾ (المنافقون : ٨) وحكي أن القائل هو عبد الله بن أبي وحده. وثانيها : يحتمل أن الله تعالى لما قال :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَـامُوسَى ﴾ سكت حتى لقي أخاه، ثم إن الله تعالى خاطبهما بقوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾. وثالثها : أنه حكى أنه في مصحف ابن مسعود وحفصة :﴿قَالا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ﴾ أي قال موسى : أنا وأخي نخاف فرعون أما قوله تعالى :﴿فَقُولا لَه قَوْلا لَّيِّنًا﴾ ففيه سؤالان :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣
السؤال الأول : لم أمر الله تعالى موسى عليه السلام باللين مع الكافر الجاحد. الجواب لوجهين : الأول : أنه عليه السلام كان قد رباه فرعون فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق وهذا تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين. الثاني : أن من عادة الجبابرة إذا غلظ لهم في الوعظ أن يزدادوا عتواً وتكبراً، والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر فلهذا أمر الله تعالى بالرفق.
السؤال الثاني : كيف كان ذلك الكلام اللين. الجواب : ذكروا فيه وجوهاً. أحدها : ما حكى الله تعالى بعضه فقال :﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى ا أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ (النازعات : ١٨، ١٩) وذكر أيضاً في هذه السورة بعض ذلك فقال :﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ (طه : ٤٧) إلى قوله :﴿وَالسَّلَـامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ (طه : ٤٧). وثانيها : أن تعداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته. وثالثها : كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. ورابعها : حكى عن عمرو بن دينار قال : بلغني أن فرعون عمر أربعمائة سنة وتسع سنين فقال له موسى عليه السلام : إن أطعتني عمرت مثل ما عمرت فإذا مت فلك الجنة واعترضوا على هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة. أما الأول : فقيل لو حصلت له هذه الأمور الثلاثة في هذه المدة الطويلة لصار ذلك كالإلجاء إلى معرفة الله تعالى وذلك لا يصح مع التكليف. وأما الثاني : فلأن خطابه بالكنية أمر سهل فلا يجوز أن يجعل ذلك هو المقصود من قوله :﴿فَقُولا لَه قَوْلا لَّيِّنًا﴾ / بل يجوز أن يكون ذلك من جملة المراد. وأما الثالث : فالاعتراض عليه كما في الأول أما قوله تعالى :﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ فاعلم أنه ليس المراد أنه تعالى كان شاكاً في ذلك لأن ذلك محال عليه تعالى وإنما المراد : فقولا له قولاً ليناً، على أن تكونا راجيين لأن يتذكر هو أو يخشى. واعلم أن أحوال القلب ثلاثة. أحدها : الإصرار على الحق. وثانيها : الإصرار على الباطل. وثالثها : التوقف في الأمرين، وأن فرعون كان مصراً على الباطل وهذا القسم أردأ الأقسام فقال تعالى :﴿فَقُولا لَه قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٥٣


الصفحة التالية
Icon