﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى ﴾ فلا يمتنع أن يكون هرون عليه السلام خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل من سوء ظنهم أنه منكر عليه غير معاون له/ ثم أخذ في شرح القصة فقال :﴿إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إسرائيل ﴾، وثالثها : أن بني إسرائيل كانوا على نهاية سوء الظن بموسى عليه السلام حتى أن هرون غاب عنهم غيبة فقالوا لموسى عليه السلام : أنت قتلته، فلما واعد الله تعالى موسى عليه السلام ثلاثين ليلة وأتمها بعشر وكتب له في الألواح من كل شيء ثم رجع فرآى في قومه ما رآى فأخذ برأس أخيه ليدنيه فيتفحص عن كيفية الواقعة فخاف هرون عليه السلام أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له فقال إشفاقاً على موسى : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي لئلا يظن القوم ما لا يليق بك. ورابعها : قال صاحب "الكشاف" : كان موسى عليه السلام رجلاً حديداً مجبولاً على الحدة والخشونة والتصلب في كل شيء شديد الغضب لله تعالى ولدينه فلم يتمالك حين رآى قومه يعبدون عجلاً من دون الله تعالى من بعد ما رأوا من الآيات العظام أن ألقى ألواح التوراة لما غلب على ذهنه من الدهشة العظيمة غضباً لله تعالى وحمية وعنف بأخيه وخليفته على قومه فأقبل عليه إقبال العدو المكاشر، واعلم أن هذا الجواب ساقط لأنه يقال : هب أنه كان شديد الغضب ولكن مع ذلك الغضب الشديد هل كان يبقى عاقلاً مكلفاً أم لا ؟
فإن بقي عاقلاً مكلفاً فالأسئلة باقية بتمامها أكثر ما في الباب أنك ذكرت أنه أتى بغضب شديد وذلك من جملة المعاصي فقد زدت إشكالاً آخر. فإن قلتم بأنه في ذلك الغضب لم يبق عاقلاً ولا مكلفاً فهذا مما لا يرتضيه مسلم ألبتة فهذه أجوبة من لم يجوز الصغائر وأما من جوزها فلا شك في سقوط السؤال والله أعلم. أما قوله :﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلا تَتَّبِعَنِ ﴾ ففيه وجهان : الأول : أن لا صلة والمراد ما منعك أن تتبعني. والثاني : أن يكون المراد ما دعاك إلى أن لا تتبعني فأقام منعك مقام دعاك وفي الاتباع قولان : أحدهما : ما منعك من اتباعي بمن أطاعك واللحوق بي وترك المقام بين أظهرهم وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء. والثاني : أن تتبعني في وصيتي إذ قلت لك :﴿اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (الأعراف : ١٤٢) فلم تركت قتالهم وتأديبهم وهذا قول مقاتل ثم قال :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٤