اعلم أنه سبحانه وتعالى لما شرح قصة موسى عليه السلام مع فرعون أولاً ثم مع السامري ثانياً أتبعه بقوله :﴿كَذَالِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ من سائر أخبار الأمم وأحوالهم تكثيراً لشأنك وزيادة في معجزاتك وليكثر الاعتبار والاستبصار للمكلفين بها في الدين :﴿وَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا﴾ يعني القرآن كما قال تعالى :﴿وَهَـاذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـاه ﴾ (الأنبياء : ٥٠) ﴿وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ﴾ (الزخرف : ٤٤) ﴿ا وَالْقُرْءَانِ ذِى﴾ (ص : ١) ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ﴾ (الأنبياء : ٢) ﴿وَقَالُوا يَـا أَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ (الحجر : ٦) ثم في تسمية القرآن بالذكر وجوه : أحدها : أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم. وثانيها : أنه يذكر أنواع آلاء الله تعالى ونعمائه ففيه التذكير والمواعظ. وثالثها : فيه الذكر والشرف لك ولقومك على ما قال :﴿وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ (الزخرف : ٤٤)، واعلم أن الله تعالى سمى كل كتبه ذكراً فقال :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن﴾ (النحل : ٤٣) وكما بين نعمته بذلك بين شدة الوعيد لمن أعرض عنه ولم يؤمن به من وجوه : أولها : قوله :﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ فإنه يحمل يوم القيامة وزراً والوزر هو العقوبة الثقيلة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها / على المعاقب وصعوبة احتمالها الذي يثقل على الحامل وينقض ظهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم وقرىء يحمل، ثم بين تعالى صفة ذلك الوزر من وجهين : أحدهما : أنه يكون مخلداً مؤبداً. والثاني : قوله :﴿وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ حِمْلا﴾ أي وما أسوأ هذا الوزر حملاً أي محمولاً وحملاً منصوب على التمييز. وثانيها :﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ ﴾ فالمراد بيان أن يوم القيامة هو يوم ينفخ في الصور وفيه مسائل :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٩
المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو ننفخ بفتح النون كقوله :﴿وَنَحْشُرُ﴾ وقرأ الباقون ينفخ على ما لم يسم فاعله ونحشر بالنون لأن النافخ ملك التقم الصور والحاشر هو الله تعالى، وقرىء يوم ينفخ بالياء المفتوحة على الغيبة والضمير لله تعالى أو لإسرافيل عليه السلام، وأما : يحشر المجرمين فلم يقرأ به إلا الحسن وقرىء في الصور بفتح الواو جمع صورة.
المسألة الثانية :﴿فِى الصُّورِ ﴾ قولان : أحدهما : أنه قرن ينفخ فيه يدعي به الناس إلى المحشر. والثاني : أنه جمع صورة والنفخ نفخ الروح فيه ويدل عليه قراءة من قرأ : الصور بفتح الواو والأول أولى لقوله تعالى :﴿فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ﴾ (المدثر : ٨) والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شوهد في الدنيا ومن عادة الناس النفخ في البوق عند الأسفار وفي العساكر.
المسألة الثالثة : المراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لأن قوله بعد ذلك :﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَـاـاِذٍ زُرْقًا﴾ كالدلالة على أن النفخ في الصور كالسبب لحشرهم فهو نظير قوله :﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ (النبأ : ١٨)، أما قوله :﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَـاـاِذٍ زُرْقًا﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قالت المعتزلة قوله :﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ يتناول الكفار والعصاة فيدل على عدم العفو عن العصاة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهاً آخر، وقد تقدم هذا الكلام.


الصفحة التالية
Icon