المسألة الثانية : ذكروا في قوله تعالى :﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ وجوهاً : أحدها : قال الكلبي :﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أمر الآخرة ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أمر الدنيا. وثانيها : قال مجاهد :﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أمر الدنيا والأعمال ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أمر الآخرة والثواب والعقاب. وثالثها : قال الضحاك يعلم ما مضى وما بقي ومتى تكون القيامة.
المسألة الثالثة : ذكروا في قوله :﴿وَلا يُحِيطُونَ بِه عِلْمًا﴾ وجهين : الأول : أنه تعالى بين أنه يعلم ما بين أيدي العباد وما خلفهم. ثم قال :﴿وَلا يُحِيطُونَ بِه عِلْمًا﴾ أي العباد لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم علماً. الثاني : المراد لا يحيطون بالله علماً والأول أولى لوجهين : أحدهما : أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات والأقرب ههنا قوله :﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾. وثانيهما : أنه تعالى أورد ذلك مورد الزجر ليعلم أن سائر ما يقدمون عليه وما يستحقون به المجازاة معلوم لله تعالى.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٠٣
الصفة السادسة : قوله :﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِا وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ ومعناه أن في ذلك اليوم تعنوا الوجوه أي تذل ويصير الملك والقهر لله تعالى دون غيره ومن / لفظ العنو أخذوا العاني وهو الأسير، يقال : عنا يعنو عناء إذا صار أسيراً وذكر الله تعالى :﴿الْوُجُوهُ﴾ وأراد به المكلفين أنفسهم لأن قوله :﴿وَعَنَتِ﴾ من صفات المكلفين لا من صفات الوجوه وهو كقوله :﴿وُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ (الغاشية : ٨، ٩) وإنما خص الوجوه بالذكر لأن الخضوع بها يبين وفيها يظهر وتفسير ﴿الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾ قد تقدم/ وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"اطلبوا اسم الله الأعظم في هذه السور الثلاث البقرة وآل عمران وطه}. قال الراوي : فوجدنا المشترك في السور الثلاث :. قال الراوي : فوجدنا المشترك في السور الثلاث :﴿اللَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾ فبين تعالى على وجه التحذير أن ذلك اليوم لا يصح الإمتناع مما ينزل بالمرء من المجازاة، وأن حاله مخالفة لحال الدنيا التي يختار فيها المعاصي ويمتنع من الطاعات، أما قوله تعالى :﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ فالمراد بالخيبة الحرمان أي حرم الثواب من حمل ظلماً والمراد به من وافى بالظلم ولم يتب عنه واستدلت المعتزلة بهذه الآية في المنع من العفو فقالوا قوله :﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ يعم كل ظالم، وقد حكم الله تعالى فيه بالخيبة والعفو ينافيه والكلام على عمومات الوعيد قد تقدم مراراً، واعلم أنه تعالى لما شرح أحوال يوم القيامة ختم الكلام فيها بشرح أحوال المؤمنين فقال :﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّـالِحَـاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ يعني ومن يعمل شيئاً من الصالحات والمراد به الفرائض فكان عمله مقروناً بالإيمان وهو قوله :﴿وَمَن يَأْتِه مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّـالِحَـاتِ﴾ (طه : ٧٥) فقوله :﴿فَلا يَخَافُ﴾ في موضع جزم لكونه في موضع جواب الشرط والتقدير فهو لا يخاف ونظيره :﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْه ﴾ (المائدة : ٩٥)، ﴿فَمَنا يُؤْمِن بِرَبِّه فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا﴾ (الجن : ١٣) وقرأ ابن كثير : فلا يخف على النهي وهو حسن لأن المعنى فليأمن والنهي عن الخوف أمر بالأمن والظلم هو أن يعاقب لا على جريمة أم يمنع من الثواب على الطاعة، والهضم أن ينقص من ثوابه، والهضيمة النقيصة ومنه هضيم الكشح أي ضامر البطن ومنه :﴿طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ (الشعراء : ١٤٨) أي لازق بعضه ببعض ومنه انهضم طعامي، وقال أبو مسلم : الظلم أن ينقص من الثواب والهضم أن لا يوفي حقه من الإعظام لأن الثواب مع كونه من اللذات لا يكون ثواباً إلا إذا قارنه التعظيم وقد يدخل النقص في بعض الثواب ويدخل فيما يقارنه من التعظيم فنفى الله تعالى عن المؤمنين كلا الأمرين.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٠٣
١٠٥