اعلم أن قوله :﴿وَكَذَالِكَ﴾ عطف على قوله :﴿كَذَالِكَ نَقُصُّ﴾ أي ومثل ذلك لا نزال وعلى نهجه أنزلنا القرآن كله ثم وصف القرآن بأمرين : أحدهما : كونه عربياً لتفهمه العرب فيقفوا على إعجازه ونظمه وخروجه عن جنس كلام البشر. والثاني : قوله :﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ﴾ أي كررناه وفصلناه ويدخل تحت الوعيد بيان الفرائض والمحارم لأن الوعيد فعل يتعلق فتكريره يقتضي بيان الأحكام فلذلك قال :﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ والمراد اتقاء المحرمات وترك الواجبات ولفظ لعل قد تقدم تفسيره في سورة البقرة في قوله :﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة : ١٨٣) أما قوله :﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ ففيه وجهان. الأول : أن يكون المعنى إنا إنما أنزلنا القرآن لأجل أن يصيروا متقين أي محترزين عما لا ينبغي أو يحدث القرآن لهم ذكراً يدعوهم إلى الطاعات وفعل ما ينبغي، وعليه سؤالات :
السؤال الأول : القرآن كيف يكون محدثاً للذكر. الجواب : لما حصل الذكر عند قراءته أضيف الذكر إليه.
السؤال الثاني : لم أضيف الذكر إلى القرآن وما أضيفت التقوى إليه. الجواب : أن التقوى عبارة عن أن لا يفعل القبيح، وذلك استمرار على العدم الأصلي فلم يجز إسناده إلى القرآن، أما حدوث الذكر فأمر حدث بعد أن لم يكن فجازت إضافته إلى القرآن.
السؤال الثالث : كلمة أو للمنافاة ولا منافاة بين التقوى وحدوث الذكر بل لايصح الإتقاء إلا مع الذكر فما معنى كلمة أو. الجواب : هذا كقولهم جالس الحسن أو ابن سيرين أي لا تكن خالياً منهما فكذا ههنا. الوجه الثاني : أن يقال : إنا أنزلنا القرآن ليتقوا فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث القرآن لهم ذكراً وشرفاً وصيتاً حسناً، فعلى هذين التقديرين يكون إنزاله تقوى، ثم إنه تعالى لما عظم أمر القرآن ردفه بأن عظم نفسه فقال :﴿فَتَعَـالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ تنبيهاً على ما يلزم خلقه من تعظيمه وإنما وصفه بالحق لأن ملكه لا يزول ولا يتغير وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به فلهذا وصف بذلك، وتعالى تفاعل من العلو وقد ثبت أن علوه وعظمته وربوبيته بمعنى واحد وهو اتصافه بنعوت الجلال وأنه لا تكفيه الأوهام ولا تقدره العقول وهو منزه عن المنافع والمضار فهو تعالى إنما أنزل القرآن ليحترزوا عما لا ينبغي وليقدموا على ما ينبغي، وأنه تعالى منزه عن التكمل بطاعاتهم والتضرر بمعاصيهم، فالطاعات إنما تقع بتوفيقه وتيسيره، والمعاصي إنما تقع عدلاً منه وكل ميسر لما خلق له أما قوله :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى ا إِلَيْكَ وَحْيُه ﴾ ففيه مسائل :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٠٥
المسألة الأولى : في تعلقه بما قبله وجهان. الوجه الأول : قال أبو مسلم : إن من قوله :﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ (طه : ١٠٥) إلى ههنا يتم الكلام وينقطع ثم قوله :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ﴾ خطاب / مستأنف فكأنه قال : ويسألونك ولا تعجل بالقرآن. الوجه الثاني : روى أنه عليه السلام كان يخاف من أن يفوته منه شيء فيقرأ مع الملك فأمره بأن يسكت حال قراءة الملك ثم يأخذ بعد فراغه في القراءة فكأنه تعالى شرح كيفية نفع القرآن للمكلفين وبين أنه سبحانه متعال عن كل ما لا ينبغي وأنه موصوف بالإحسان والرحمة ومن كان كذلك وجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي/ وإذ حصل الأمان عن السهو والنسيان قال :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ﴾.