المسألة الثالثة : أنهم طعنوا في نبوته بأمرين : أحدهما : أنه بشر مثلهم. والثاني : أن الذي أتى به سحر، وكلا الطعنين فاسد. أما الأول : فلأن النبوة تقف صحتها على المعجزات والدلائل / لا على الصور إذ لو بعث الملك إليهم لما علم كونه نبياً لصورته، وإنما كان يعلم بالعلم فإذا ظهر ذلك على من هو بشر فيجب أن يكون نبياً، بل الأولى أن يكون المبعوث إلى البشر بشراً لأن المرء إلى القبول من أشكاله أقرب وهو به آنس. وأما الثاني : وهو أن ما أتى به الرسول عليه السلام سحر وأنهم يرون كونه سحراً فجهل أيضاً، لأن كل ما أتى به الرسول من القرآن وغيره ظاهر الحال لا تمويه فيه ولا تلبيس فيه. فقد كان عليه السلام يتحداهم بالقرآن حالاً بعد حال مدة من الزمان وهم أرباب الفصاحة والبلاغة، وكانوا في نهاية الحرص على إبطال أمره وأقوى الأمور في إبطال أمره معارضة القرآن فلو قدروا على المعارضة لامتنع أن لا يأتوا بها لأن الفعل عند توافر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع، فلما لم يأتوا بها دلنا ذلك على أنه في نفسه معجزة وأنهم عرفوا حاله. فكيف يجوز أن يقال : إنه سحر والحال على ما ذكرناه، وكل ذلك يدل على أنهم كانوا عالمين بصدقه، إلا أنهم كانوا يموهون على ضعفائهم بمثل هذا القول وإن كانوا فيه مكابرين.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٢١
المسألة الثالثة : أنهم طعنوا في نبوته بأمرين : أحدهما : أنه بشر مثلهم. والثاني : أن الذي أتى به سحر، وكلا الطعنين فاسد. أما الأول : فلأن النبوة تقف صحتها على المعجزات والدلائل / لا على الصور إذ لو بعث الملك إليهم لما علم كونه نبياً لصورته، وإنما كان يعلم بالعلم فإذا ظهر ذلك على من هو بشر فيجب أن يكون نبياً، بل الأولى أن يكون المبعوث إلى البشر بشراً لأن المرء إلى القبول من أشكاله أقرب وهو به آنس. وأما الثاني : وهو أن ما أتى به الرسول عليه السلام سحر وأنهم يرون كونه سحراً فجهل أيضاً، لأن كل ما أتى به الرسول من القرآن وغيره ظاهر الحال لا تمويه فيه ولا تلبيس فيه. فقد كان عليه السلام يتحداهم بالقرآن حالاً بعد حال مدة من الزمان وهم أرباب الفصاحة والبلاغة، وكانوا في نهاية الحرص على إبطال أمره وأقوى الأمور في إبطال أمره معارضة القرآن فلو قدروا على المعارضة لامتنع أن لا يأتوا بها لأن الفعل عند توافر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع، فلما لم يأتوا بها دلنا ذلك على أنه في نفسه معجزة وأنهم عرفوا حاله. فكيف يجوز أن يقال : إنه سحر والحال على ما ذكرناه، وكل ذلك يدل على أنهم كانوا عالمين بصدقه، إلا أنهم كانوا يموهون على ضعفائهم بمثل هذا القول وإن كانوا فيه مكابرين.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٢١
١٢٢
أما قوله :﴿قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَآءِ وَالارْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرىء ﴿قَالَ رَبِّى ﴾ حكاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وقرأ الباقون قل بضم القاف وحذف الألف وسكون اللام.
المسألة الثانية : أنه تعالى لما أورد هذا الكلام عقيب ما حكى عنهم وجب أن يكون كالجواب لما قالوه فكأنه قال إنكم وإن أخفيتم قولكم، وطعنكم فإن ربي عالم بذلك وإنه من وراء عقوبته، فتوعدوا بذلك لكي لا يعودوا إلى مثله.
المسألة الثالثة : قال صاحب الكشاف : فإن قلت فهلا قيل له يعلم السر لقوله :﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴾ (الأنبياء : ٣) قلت القول علام يشمل السر والجهر فكأن في العلم به العلم بالسر وزيادة فكأن آكد في بيان الإطلاع على نجواهم من أن يقول :﴿يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ كما أن قوله تعالى :﴿يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ آكد من أن يقول يعلم سرهم فإن قلت فلم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله :﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (الفرقان : ٦) قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في قوله في كل موضع، ولكن يجيء بالتوكيد مرة وبالآكد مرة أخرى، ثم الفرق أنه قدم ههنا أنهم أسروا النجوى، فكأنه أراد أن يقول : إن ربي يعلم ما أسروه، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة وثمة قصد وصف ذاته بأن قال :﴿أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ فهو كقوله :﴿عَلَّـامُ الْغُيُوبِ﴾ (سبأ : ٤٨)، ﴿عَـالِمِ الْغَيْبِا لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ (سبأ : ٣).
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٢٢


الصفحة التالية
Icon