السؤال الثالث : البيت ما كان معموراً قبل ذلك فكيف قال وطهر بيتي الجواب : لعل ذلك المكان كان صحراء وكانوا يرمون إليها الأقذار، فأمر إبراهيم ببناء البيت في ذلك المكان وتطهيره من الأقذار، وكانت معمورة فكانوا قد وضعوا فيها أصناماً فأمره الله تعالى بتخريب ذلك البناء ووضع بناء جديد وذلك هو التطهير عن الأوثان، أو يقال المراد أنك بعد أن تبنيه فطهره عما لا ينبغي من الشرك وقول الزور.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٢٤
وأما قوله :﴿لِلطَّآاـاِفِينَ وَالْقَآاـاِمِينَ﴾ فقال ابن عباس رضي الله عنهما للطائفين بالبيت من غير أهل مكة ﴿وَالْقَآاـاِمِينَ﴾ أي المقيمين بها ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ أي من المصلين من الكل، وقال آخرون القائمون وهم المصلون، لأن المصلي لا بد وأن يكون في صلاته جامعاً بين القيام والركوع والسجود والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن محيصن ﴿وَأَذِّن﴾ بمعنى أعلم.
المسألة الثانية : في المأمور قولان : أحدهما : وعليه أكثر المفسرين أنه هو إبراهيم عليه السلام قالوا لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قال سبحانه :﴿وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ قال يا رب وما يبلغ صوتي ؟
قال عليك الأذان وعلى البلاغ. فصعد إبراهيم عليه السلام الصفا وفي رواية أخرى أبا قبيس، وفي رواية أخرى على المقام قال إبراهيم كيف أقول ؟
قال جبريل عليه السلام : قل لبيك اللهم لبيك فهو أول من لبى، وفي رواية أخرى أنه صعد الصفا فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم حج البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض، فما بقي شيء سمع صوته إلا أقبل يلبي يقول : لبيك اللهم لبيك، وفي رواية أخرى إن الله يدعوكم إلى حج البيت الحرام ليثيبكم به الجنة ويخرجكم من النار، فأجابه يومئذ من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وكل من وصل إليه صوته من حجر أو شجر ومدر وأكمة أو تراب، قال مجاهد : فما حج إنسان ولا يحج أحد حتى تقوم الساعة إلا وقد أسمعه ذلك النداء، فمن أجاب مرة حج مرة، ومن أجاب مرتين أو أكثر. فالحج مرتين أو أكثر على ذلك المقدار، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أمر إبراهيم عليه السلام بالأذان تواضعت له الجبال وخفضت وارتفعت له القرى، قال القاضي عبد الجبار : يبعد قولهم إنه أجابه الصخر والمدر، لأن الإعلام لا يكون إلا لمن يؤمر بالحج / دون الجماد، فأما من يسمع من أهل المشرق والمغرب نداءه فلا يمتنع إذا قواه الله تعالى ورفع الموانع ومثل ذلك قد يجوز في زمان الأنبياء عليهم السلام. القول الثاني : أن المأمور بقوله :﴿وَأَذِّن﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلّم وهو قول الحسن واختيار أكثر المعتزلة واحتجوا عليه بأن ما جاء في القرآن وأمكن حمله على أن محمداً صلى الله عليه وسلّم هو المخاطب به فهو أولى وتقدم قوله :﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لابْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ لا يوجب أن يكون قوله :﴿وَأَذِّن﴾ يرجع إليه إذ قد بينا أن معنى قوله :﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ أي واذكر يا محمد ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ فهو في حكم المذكور، فإذا قال تعالى :﴿وَأَذِّن﴾ فإليه يرجع الخطاب وعلى هذا القول ذكروا في تفسير قوله تعالى :﴿وَأَذِّن﴾ وجوهاً : أحدها : أن الله تعالى أمر محمداً صلى الله عليه وسلّم بأن يعلم الناس بالحج. وثانيها : قال الجبائي أمره الله تعالى أن يعلن التلبية فيعلم الناس أنه حاج فيحجوا معه قال وفي قوله :﴿يَأْتُوكَ﴾ دلالة على أن المراد أن يحج فيقتدي به. وثالثها : أنه ابتداء فرض الحج من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٢٤
أما قوله :﴿يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الرجال المشاة واحدهم راجل كنيام ونائم وقرىء رجال بضم الراء مخفف الجيم ومثقله ورجال كعجال عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله :﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أي ركباناً والضمور الهزال ضمر يضمر ضموراً، والمعنى أن الناقة صارت ضامرة لطول سفرها. وإنما قال :﴿يَأْتِينَ﴾ أي جماعة الإبل وهي الضوامر لأن قوله :﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ معناه على إبل ضامرة فجعل الفعل بمعنى كل ولو قال يأتي على اللفظ صح وقرىء يأتون صفة للرجال والركبان، والفج الطريق بين الجبلين، ثم يستعمل في سائر الطرق اتساعاً، والعميق البعيد قرأ ابن مسعود معيق يقال بئر بعيدة العمق والمعق.
المسألة الثانية : المعنى : وأذن، ليأتوك رجالاً وعلى كل ضامر، أي وأذن، ليأتوك على هاتين الصفتين، أو يكون المراد : وأذن فإنهم يأتوك على هاتين الصفتين.


الصفحة التالية
Icon