المسألة الثالثة : كلهم قرأوا ﴿يَنَالَ اللَّهَ﴾ ويناله بالياء إلا يعقوب فإنه قرأ بالتاء في الحرفين فمن أنث فقد رده إلى اللفظ ومن ذكر فللحائل بين الاسم والفعل. ثم قال :﴿كَذَالِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ والمراد أنه إنما سخرها كذلك لتكبروا الله وهو التعظيم، بما نفعله عند النحر وقبله وبعده على ما هدانا ودلنا عليه وبينه لنا/ ثم قال بعده على وجه الوعد لمن امتثل أمره ﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ كما قال من قبل ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ (الحج : ٣٤) والمحسن هو الذي يفعل الحسن من الأعمال ويتمسك به فيصير محسناً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣١
٢٣٤
اعلم أنه تعالى لما بين ما يلزم الحج ومناسكه وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وقد ذكرنا من قبل أن الكفار صدوهم أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال :﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ (الحج : ٣٨) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بالألف ومثله ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ﴾ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف فيهما. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ﴾ بالألف ﴿وَلَوْلا دَفْعُ﴾ بغير ألف، فمن قرأ يدافع فمعناه يبالغ في الدفع عنهم، وقال الخليل يقال دفع الله المكروه عنك دفعاً ودافع عنك دفاعاً والدفاع أحسنهما.
المسألة الثانية : ذكر ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين. فلذلك قال بعده ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (الحج : ٣٨) فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته.
المسألة الثالثة : قال مقاتل : إن الله يدافع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلّم في قتلهم سراً فنهاهم.
المسألة الرابعة : هذه الآية بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار وكف بواثقهم عنهم وهي كقوله :﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ (آل عمران : ١١١) وقوله :﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ (غافر : ٥١) وقال :﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾ (الصافات : ١٧٢) ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ (الصف : ١٣).
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
أما قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (الحج : ٣٨) فالمعنى أنه سبحانه جعل العلة في أنه يدافع / عن الذين آمنوا أن الله لا يحب صدهم، وهو الخوان الكفور أي خوان في أمانة الله كفور لنعمته ونظيره قوله :﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُمْ﴾ (الأنفال : ٢٧) قال مقاتل أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه ؟
أما قوله تعالى :﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم في رواية حفص ﴿أَذِنَ﴾ بضم الألف والباقون بفتحها أي أذن الله لهم في القتال، وقرأ أهل المدينة وعاصم ﴿يَقْتُلُونَ﴾ بنصب التاء، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ﴿أَذِنَ﴾ بنصب الف بكسر التاء. قال الفراء والزجاج : يعني أذن الله للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل/ ومن قرأ بفتح التاء فالتقدير أذن للذين يقاتلون في القتال.
المسألة الثانية : في الآية محذوف والتقدير أذن للذين يقاتلون في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه.
أما قوله :﴿يُقَـاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ فالمراد أنهم أذنوا في القتال بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان مشركوا مكة يؤذونهم أذى شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بقتال حتى هاجر فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية، وقيل نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركوا مكة فأذن في مقاتلتهم.
أما قوله :﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ فذلك وعد منه تعالى بنصرهم كما يقول المرء لغيره إن أطعتني فأنا قادر على مجازاتك لا يعني بذلك القدرة بل يريد أنه سيفعل ذلك.


الصفحة التالية
Icon