أما قوله تعالى :﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَـارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فاعلم أنه تعالى لما بين أنهم إنما أذنوا في القتال لأجل أنهم ظلموا فبين ذلك الظلم بقوله :﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَـارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه ﴾ فبين تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين : أحدهما : أنهم أخرجوهم من ديارهم والثاني : أنهم أخرجوهم بسبب أنهم قالوا :﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ وكل واحد من الوجهين عظيم في الظلم، فإن قيل كيف استثنى من غير حق قولهم :﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ وهو من الحق ؟
قلنا تقدير الكلام أنهم أخرجوا بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير، ومثله ﴿هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلا أَنْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ﴾ ثم بين سبحانه بقوله :﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ﴾ أن عادته جل جلاله أن يحفظ دينه بهذا الأمر قرأ نافع ﴿لَّهُدِّمَتْ﴾ بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وههنا سؤالات :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
السؤال الأول : ما المراد بهذا الدفاع الذي أضافه إلى نفسه ؟
الجواب : هو إذنه لأهل دينه بمجاهدة الكفار فكأنه قال تعالى : ولولا دفاع الله أهل الشرك بالمؤمنين، من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وعطلوا ما يبنونه من / مواضع العبادة، ولكنه دفع عن هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهل الدين للعبادة وبناء البيوت لها، ولهذا المعنى ذكر الصوامع والبيع والصلوات وإن كانت لغير أهل الإسلام، وذكر المفسرون وجوهاً أخر : أحدها : قال الكلبي يدفع الله بالنبيين عن المؤمنين وبالمجاهدين عن القاعدين عن الجهاد وثانيها : روى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يدفع الله بالمحسن عن المسيء، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق وبالذي يحج عن الذي لا يحج، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم :"إن الله يدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه" ثم تلا هذه الآية وثالثها : قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة ورابعها : قال مجاهد يدفع عن الحقوق بالشهود وعن النفوس بالقصاص.
السؤال الثاني : لماذا جمع الله بين مواضع عبادات اليهود والنصارى وبين مواضع عبادة المسلمين ؟
الجواب : لأجل ما سألت عنه اختلفوا على وجوه : أحدها : قال الحسن المراد بهذه المواضع أجمع مواضع المؤمنين، وإن اختلفت العبارات عنها وثانيها : قول الزجاج ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يصلي فيه، فلولا ذلك الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه/ وفي زمن عيسى الصوامع، وفي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم المساجد فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ وثالثها : بل المراد لهدمت هذه الصوامع في أيام الرسول صلى الله عليه وسلّم لأنها على كل حال يجري فيها ذكر الله تعالى فليست بمنزلة عبادة الأوثان.
السؤال الثالث : ما الصوامع والبيع والصلوات والمساجد ؟
الجواب : ذكروا فيها وجوهاً : أحدها : الصوامع للنصارى والبيع لليهود والصلوات للصابئين والمساجد للمسلمين عن أبي العالية رضي الله عنه وثانيها : الصوامع للنصارى وهي التي بنوها في الصحارى والبيع لهم أيضاً وهي التي يبنونها في البلد والصلوات لليهود، قال الزجاج وهي بالعبرانية صلوتاً وثالثها : الصوامع للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود عن قتادة ورابعها : أنها بأسرها أسماء المساجد عن الحسن، أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع، وأما البيع فأطلق هذا الاسم على المساجد على سبيل التشبيه، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
السؤال الرابع : الصلوات كيف تهدم خصوصاً على تأويل من تأوله على صلاة المسلمين ؟
الجواب : من وجوه : أحدها : المراد بهدم الصلاة إبطالها وإهلاك من يفعلها كقولهم هدم فلان إحسان فلان إذا قابله بالكفر دون الشكر وثانيها : بل المراد مكان الصلوات لأنه الذي يصح هدمه كقوله :﴿وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف : ٨٢) أي أهلها وثالثها : لما كان الأغلب فيما ذكر ما يصح أن / أن يهدم جاز ضم ما لا يصح أن يهدم إليه، كقولهم متقلداً سيفاً ورمحاً، وإن كان الرمح لا يتقلد.
السؤال الخامس : قوله :﴿يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ مختص بالمساجد أو عائد إلى الكل ؟
الجواب : قال الكلبي ومقاتل عائد إلى الكل لأن الله تعالى يذكر في هذه المواضع كثيراً، والأقرب أنه مختص بالمساجد تشريفاً لها بأن ذكر الله يحصل فيها كثيراً.


الصفحة التالية
Icon