السؤال السادس : لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد ؟
الجواب : لأنها أقدم في الوجود، وقيل أخرها في الذكر كما في قوله :﴿وَمِنْهُمْ سَابِقُا بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه ﴾ (فاطر : ٣٢) ولأن أول الفكر آخر العمل، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم خير الرسل وأمته خير الأمم لا جرم كانوا آخرهم ولذلك قال عليه السلام :"نحن الآخرون السابقون".
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
أما قوله تعالى :﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُه ا ﴾ فقال بعضهم من ينصره بتلقى الجهاد بالقبول نصرة لدين الله تعالى، وقال آخرون : بل المراد من يقوم بسائر دينه، وإنما قالوا ذلك لأن نصرة الله على الحقيقة لا تصح، وإنما المراد من نصرة الله نصرة دينه كما يقال في ولاية الله وعداوته مثل ذلك وفي قوله :﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُه ا ﴾ وعد بالنصر لمن هذه حاله ونصر الله تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه حتى يكون هو الظافر ويكون قائماً بإيضاح الأدلة والبينات، وبكون بالإعانة على المعارف والطاعات، وفيه ترغيب في الجهاد من حيث وعدهم النصر، ثم بين تعالى أنه قوي على هذه النصرة التي وعدها المؤمنين، وأنه لا يجوز عليه المنع وهو معنى قوله ﴿عَزِيزٌ﴾ لأن العزيز هو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده. ثم إنه سبحانه وتعالى وصف الذين أذن لهم في القتال في الآية الأولى فقال :﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـاهُمْ فِى الارْضِ﴾ والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق لأن المتبادر إلى الفهم من قوله :﴿مَّكَّنَّـاهُمْ فِى الارْضِ﴾ ليس إلا هذا، ولأنا لو حلمناه على أصل القدرة لكان كل العباد كذلك وحينئذ يبطل ترتب الأمور الأربعة المذكورة عليه في معرض الجزاء/ لأنه ليس كل من كان قادراً على الفعل أتى بهذه الأشياء. إذا ثبت هذا فنقول : المراد بذلك هم المهاجرون لأن قوله :﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـاهُمْ﴾ صفة لمن تقدم وهو قوله :﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَـارِهِم﴾ والأنصار ما أخرجوا من ديارهم فيصير معنى الآية أن الله تعالى وصف المهاجرين بأنه إن مكنهم من الأرض وأعطاهم السلطنة، فإنهم أتوا بالأمور الأربعة، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن قد ثبت أن الله تعالى مكن الأئمة الأربعة من الأرض وأعطاهم السلطنة عليها فوجب كونهم آتين بهذه الأمور الأربعة. وإذا كانوا آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر وجب أن يكونوا على الحق، فمن هذا الوجه دلت هذه الآية على إمامة الأربعة. ولا يجوز حمل الآية على علي عليه السلام وحده لأن الآية دالة على الجمع، وفي قوله :﴿وَلِلَّهِ عَـاقِبَةُ الامُورِ﴾ دلالة على أن الذي تقدم ذكره من سلطنتهم وملكهم كائن لا محالة. ثم إن الأمور ترجع إلى الله تعالى بالعاقبة فإنه سبحانه هو الذي / لا يزول ملكه أبداً وهو أيضاً يؤكد ما قلناه.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
٢٣٤
اعلم أنه تعالى لما بين فيما تقدم إخراج الكفار المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأذن في مقاتلتهم وضمن للرسول والمؤمنين النصرة وبين أن لله عاقبة الأمور، أردفه بما يجري مجرى التسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم في الصبر على ما هم عليه من أذيته وأذية المؤمنين بالتكذيب وغيره، فقال : وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم سائر الأمم أنبياءهم، وذكر الله سبعة منهم. فإن قيل : ولم قال :﴿وَكُذِّبَ مُوسَى ﴾ ولم يقل قوم موسى ؟
فالجواب : من وجهين : الأول : أن موسى عليه السلام ما كذبه قومه بنوا إسرائيل وإنما كذبه غير قومه وهم القبط الثاني : كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسوله، وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره.
أما قوله تعالى :﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَـافِرِينَ﴾ يعني أمهلتهم إلى الوقت المعلوم عندي ثم أخذتهم بالعقوبة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ استفهام تقرير (ي)، أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب، أليس كان واقعاً / قطعاً ؟
ألم أبدلهم بالنعمة نقمة وبالكثرة قلة وبالحياة موتاً وبالعمارة خراباً ؟
ألست أعطيت الأنبياء جميع ما وعدتهم من النصرة على أعدائهم والتمكين لهم في الأرض. فينبغي أن تكون عادتك يا محمد الصبر عليهم، فإنه تعالى إنما يمهل للمصلحة فلا بد من الرضاء والتسليم، وإن شق ذلك على القلب. واعلم أن بدون ذلك يحصل التسلية لمن حاله دون حال الرسول عليه السلام، فكيف بذلك مع منزلته، لكنه في كل وقت يصل إليه من جهتهم ما يزيده غماً، فأجرى الله عادته بأن يصبره حالاً بعد حال، وقد تقدم ذكر هؤلاء المكذبين وبأي جنس من عذاب الاستئصال هلكوا.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤


الصفحة التالية
Icon