السؤال الثاني : لم رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام ؟
والجواب : لو نصب لأعطى عكس ما هو الغرض، لأن معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر. وإن نصبته فأنت ناف لشكره شاك لتفريطه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٤٩
السؤال الثالث : لم أورد تعالى ذلك دلالة على قدرته على الإعادة، كما قال أبو مسلم. الجواب : يحتمل ذلك ويحتمل أنه نبه به على عظيم قدرته وواسع نعمه.
السؤال الرابع : ما تعلق قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ بما تُقدم ؟
الجواب : من وجوه أحدها : أراد أنه رحيم بعباده ولرحمته فعل ذلك حتى عظم انتفاعهم به، لأن الأرض إذا أصبحت مخضرة والسماء إذا أمطرت كان ذلك سبباً لعيش الحيوانات على اختلافها أجمع. ومعنى ﴿خَبِيرٌ﴾ أنه عالم بمقادير مصالحهم فيفعل على قدر ذلك من دون زيادة ونقصان وثانيها : قال ابن عباس ﴿لَطِيفُ ﴾ بأرزاق عباده ﴿خَبِيرٌ﴾ بما في قلوبهم من القنوط وثالثها : قال الكلبي ﴿لَطِيفُ ﴾ في أفعاله ﴿خَبِيرٌ﴾ بأعمال خلقه ورابعها : قال مقاتل :﴿لَطِيفُ ﴾ باستخراج النبت ﴿خَبِيرٌ﴾ بكيفية خلقه.
الدلالة الثانية : قوله تعالى :﴿لَّه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾ والمعنى أن كل ذلك منقاد له غير ممتنع من التصرف فيه وهو غني عن الأشياء كلها وعن حمد الحامدين أيضاً لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته غني عن كل ما عداه في كل الأمور، ولكنه لما خلق الحيوان فلا بد في الحكمة من قطر ونبات فخلق هذه الأشياء رحمة للحيوانات وإنعاماً عليهم/ لا لحاجة به إلى ذلك. وإذا كان كذلك كان إنعامه خالياً عن غرض عائد إليه فكان مستحقاً للحمد. فكأنه قال إنه لكونه غنياً لم يفعل ما فعله إلا للإحسان، ومن كان كذلك كان مستحقاً للحمد فوجب أن يكون حميداً. فلهذا قال :﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾.
الدلالة الثالثة : قوله :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الارْضِ﴾ أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ولا أحد من الحديد ولا أكثر هيبة من النار، وقد سخرها لكم وسخر الحيوانات أيضاً حتى ينتفع بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها والانتفاع بالنظر إليها، فلولا أن سخر الله / تعالى الإبل والبقر مع قوتهما حتى يذللهما الضعيف من الناس ويتمكن منهما لما كان ذلك نعمة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٤٩
الدلالة الرابعة : قوله تعالى :﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِه ﴾ والأقرب أن المراد وسخر لكم الفلك لتجري في البحر، وكيفية تسخيره الفلك هو من حيث سخر الماء والرياح لجريها، فلولا صفتهما على ما هما عليه لما جرت بل كانت تغوص أو تقف أو تعطب. فنبه تعالى على نعمه بذلك، وبأن خلق ما تعمل منه السفن، وبأن بين كيف تعمل، وإنما قال بأمره لأنه سبحانه لما كان المجرى لها بالرياح نسب ذلك إلى أمره توسعاً، لأن ذلك يفيد تعظيمه بأكثر مما يفيد لو أضافه إلى فعل بناء على عادة الملوك في مثل هذه اللفظة.
الدلالة الخامسة : قوله تعالى :﴿وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الارْضِ إِلا بِإِذْنِه ا إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ واعلم أن النعم المتقدمة لا تكمل إلا بهذه لأن السماء مسكن الملائكة فوجب أن يكون صلباً. ووجب أن يكون ثقيلاً، وما كان كذلك فلا بد من الهوى لولا مانع يمنع منه، وهذه الحجة مبنية على ظاهر الأوهام، وقوله تعالى :﴿أَن تَقَعَ﴾ قال الكوفيون : كي لا تقع، وقال البصريون كراهية أن تقع، وهذا بناء على مسألة كلامية وهي أن الإرادات والكراهات هل تتعلق بالعدم ؟
فمن منع من ذلك صار إلى التأويل الأول، والمعنى أنه أمسكها لكي لا تقع فتبطل النعم التي أنعم بها.
أما قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ فالمعنى أن المنعم بهذه النعم الجامعة لمنافع الدنيا والدين قد بلغ الغاية في الإحسان والإنعام، فهو إذن رؤوف رحيم.


الصفحة التالية
Icon