السؤال السابع : هل تدل الآية على أن الفردوس مخلوقة ؟
الجواب : قال القاضي دل قوله تعالى :﴿أُكُلُهَا دَآاـاِمٌ﴾ (الرعد : ٣٥) على أنها غير مخلوقة فوجب تأويل هذه الآية، كأنه تعالى قال إذا كان يوم القيامة يخلق الله الجنة ميراثاً للمؤمنين أو وإذا خلقها تقول على مثال ما تأولنا عليه قوله تعالى :﴿وَنَادَى ا أَصْحَـابُ النَّارِ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ﴾ (الأعراف : ٥٠) وهذا ضعيف لأنه ليس إضمار ما ذكره في هذه الآية أولى من أن يضمر في قوله :﴿أُكُلُهَا دَآاـاِمٌ﴾ (الرعد : ٣٥) ثم إن أكلها دائم، يوم القيامة، وإذا تعارض هذان الظاهران فنحن نتمسك في أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى :﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران : ١٣٣).
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٦٨
٢٦٩
اعلم أنه سبحانه لما أمر بالعبادات في الآية المتقدمة، والاشتغال بعبادة الله لا يصح إلا بعد معرفة الإله الخالق، لا جرم عقبها بذكر ما يدل على وجوده واتصافه بصفات الجلال والوحدانية فذكر من الدلائل أنواعاً :
النوع الأول : الاستدلال يتقلب الإنسان في أدوار الخلقة وأكوان الفطرة وهي تسعة :
المرتبة الأولى : قوله سبحانه تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ مِن سُلَـالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ والسلالة الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر، فُعالة وهو بناء يدل على القلة كالقُلامة والقُمامة، واختلف أهل التفسير في الإنسان فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومقاتل : المراد منه آدم عليه السلام فآدم سل من الطين وخلقت دريته من ماء مهين، ثم جعلنا الكناية راجعة إلى الإنسان الذي هو ولد آدم، والإنسان شامل لآدم عليه السلام ولولده، وقال آخرون : الإنسان ههنا ولد آدم والطين ههنا اسم آدم عليه السلام، والسلالة هي الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه التي لما اجتمعت وحصلت في أوعية المنى صارت منياً، وهذا التفسير مطابق لقوله تعالى :﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَـانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَه مِن سُلَـالَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ (السجدة : ٧، ٨) وفيه وجه آخر، وهو أن الإنسان إنما يتولد من النطفة وهي إنما تتولد من فضل الهضم الرابع وذلك إنما يتولد من الأغذية، وهي إما حيوانية وإما نياتية، والحيوانية تنتهي إلى النباتية، والنبات إنما يتولد من صفو الأرض والماء فالإنسان بالحقيقة يكون متولداً من سلالة من طين، ثم إن تلك السلالة بعد أن تواردت على أطوار الخلقة وأدوار الفطرة صارت منياً، وهذا التأويل مطابق للفظ ولا يحتاج فيه إلى التكلفات.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٦٩
المرتبة الثانية : قوله تعالى :﴿ثُمَّ جَعَلْنَـاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولاً طيناً، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم المرأة فصار الرحم قراراً مكيناً لهذه النطفة والمراد بالقرار موضع القرار وهو المستقر فسماه بالمصدر ثم وصف الرحم بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها كقولك طريق سائر أو لمكانتها في نفسها لأنها تمكنت من حيث هي وأحرزت.
المرتبة الثالثة : قوله تعالى :﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ أي حولنا النطفة عن صفاتها إلى صفات العلقة وهي الدم الجامد.
المرتبة الرابعة : قوله تعالى :﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ أي جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة أي قطعة لحم كأنها مقدار ما يمضغ كالغرفة وهي مقدار ما يغترف، وسمى التحويل خلقاً لأنه سبحانه يفني بعض أعراضها ويخلق أعراضاً غيرها فسمى خلق الأعراض خلقاً لها وكأنه سبحانه وتعالى يخلق فيها أجزاء زائدة.
المرتبة الخامسة : قوله :﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـامًا﴾ أي صيرناها كذلك وقرأ ابن عامر عظماً والمراد منه الجمع كقوله :﴿وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾.
المرتبة السادسة : قوله تعالى :﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَـامَ لَحْمًا﴾ وذلك لأن اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة لها.


الصفحة التالية
Icon