المسألة السابعة : إن وجب الجلد على المريض نظر، فإن كان به مرض يرجى زواله من صداع أو ضعف أو ولادة يؤخر حتى يبرأ، كما لو أقيم عليه حد أو قطع لا يقام عليه حد آخر حتى يبرأ من الأول، وإن كان به مرض لا يرجى زواله، كالسل والزمانة فلا يؤخر ولا يضرب بالسياط فإنه يموت وليس المقصود موته، وذلك لا يختلف سواء كان زناه في حال الصحة ثم مرض أو في حال المرض، بل يضرب بعثكال عليه مائة شمراخ فيقول ذلك مقام مائة جلدة. كما قال تعالى في قصة أيوب عليه السلام :﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّه وَلا تَحْنَثْ ﴾ (ص : ٤٤) وعند / أبي حنيفة رحمه الله : يضرب بالسياط، دليلنا ما روي أن رجلاً مقعداً أصاب امرأة فأمر النبي صلى الله عليه وسلّم فأخذوا مائة شمراخ فضربوه بها ضربة واحدة، ولأن الصلاة إذا كانت تختلف باختلاف حاله فالحد أولى بذلك.
المسألة الثامنة : يقام الحد في وقت اعتدال الهواء، فإن كان في حال شدة حر أو برد نظر إن كان الحد رجماً يقام عليه كما يقام في المرض لأن المقصود قتله، وقيل إن كان الرجم ثبت عليه بإقراره فيؤخر إلى اعتدال الهواء وزوال المرض الذي يرجى زواله، لأنه ربما رجع عن إقراره في خلال الرجم وقد أثر الرجم في جسمه فتعين شدة الحر والبرد والمرض على أهلاكه بخلاف ما لو ثبت بالبينة لأنه لا يسقط، وإن كان الحد جلداً لم يجز إقامته في شدة الحر والبرد كما لا يقام في المرض. أما الرجم ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الشافعي رحمه الله، ومالك رحمه الله : يجوز للإمام أن يحضر رجمه وأن لا يحضر، وكذا الشهود لا يلزمهم الحضور. وقال أبو حنيفة رحمه الله : إن ثبت الزنا بالبينة وجب على الشهود أن يبدأوا بالرجم ثم الإمام ثم الناس، وإن ثبت بإقرار بدأ الإمام ثم الناس. حجة الشافعي رحمه الله : أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضر رجمهما.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
المسألة الثانية : إن ثبت الزنا بإقراره فمتى رجع ترك/ وقع به بعض الحد أو لم يقع. وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والثوري وأحمد وإسحق، وقال الحسن وابن أبي ليلى وداود لا يقبل رجوعه، وعن مالك رحمه الله روايتان.
حجة القول الأول : أن ماعزاً لما مسته الحجارة وهرب، فقال عليه السلام :"هلا تركتموه".
المسألة الثالثة : يحفر للمرأة إلى صدرها حتى لا تنكشف ويرمى إليها، ولا يحفر للرجل، لما روى أبو سعيد الخدري "أن ماعزاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال يا رسول الله إني أصبت فاحشة فأقم على الحد، فرده النبي عليه السلام مراراً، ثم سأل قومه، فقالوا : لا نعلم به بأساً فأمرنا أن نرجمه، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال فرميناه بالعظام والمدر والخزف، قال فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة وانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكن" وجه الاستدلال أنه قال :"فما أوثقناه ولا حفرنا له" ولأنه هرب، ولو كان في حفرة لما أمكنه ذلك.
المسألة الرابعة : إذا مات في الحد يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، فهذا ما أردنا ذكره من بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الآية.
أما المباحث العقلية : فاعلم أن من الناس من قال : لا شك أن البدن مركب من أجزاء كثيرة، فإما أن يقوم بكل جزء حياة وعلم وقدرة على حدة أو يقوم بكل الأجزاء حياة واحدة وعلم واحد وقدرة واحدة، والثاني محال لاستحالة قيام العرض الواحد بالمحال الكثيرة فتعين / الأول، وإذا كان كذلك كان كل جزء من أجزاء البدن حياً على حدة وعالماً على حدة وقادراً على حدة، وإذا ثبت هذا فنقول الزاني هو الفرج لا الظهر، فكيف يحسن من الحكيم أن يأمر بجلد الظهر، ولأنه ربما كان الإنسان حال إقدامه على الزنا عجيفاً نحيفاً ثم يسمن بعد ذلك فكيف يجوز إيلام تلك الأجزاء الزائدة مع أنها كانت بريئة عن فعل الزنا، فإن قال قائل هذا مدفوع من وجهين : الأول : وهو أنه ليس كل واحد من أجزاء البدن فاعلاً على حدة وحياً على حدة وذلك محال، بل الحياة والعلم والقدرة تقوم بالجزء الواحد ثم توجب حكم الحيية والعالمية والقادرية لمجموع الأجزاء، فيكون المجموع حياً واحداً عالماً واحداً قادراً واحداً، وعلى هذا التقدير يزول السؤال الثاني : أن يقال الذي هو الفاعل والمحرك والمدرك شيء ليس بجسم ولا جسماني. وإنما هو مدبر لهذا البدن، وعلى هذا التقدير أيضاً يزول السؤال والجواب : أما الأول فضعيف، وذلك لأن العلم إذا قام بجزء واحد، فإما أن يحصل بمجموع الأجزاء عالمية واحدة فيلزم قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة وهو محال، أو يقوم بكل جزء عالمية على حدة فيعود المحذور المذكور، وأما الثاني ففي نهاية البعد لأنه إذا كان الفاعل للقبيح هو ذلك المباين فلم يضرب هذا الجسد ؟
واعلم أن المقصود من أحكام الشرع رعاية المصالح، ونحن نعلم أن شرع الحد يفيد الزجر، فكان المقصود حاصلاً والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon