جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
أما قوله تعالى :﴿وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : الرأفة الرقة والرحمة وقراءة العامة بسكون الهمزة وقرىء رأفة بفتح الهمزة ورآفة على فعالة.
المسألة الثانية : يحتمل أن يكون المراد أن لا تأخذكم رأفة بأن يعطل الحد أو ينقص منه، والمعنى لا تعطلوا حدود الله ولا تتركوا إقامتها للشفقة والرحمة، وهذا قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير واختيار الفراء والزجاج، ويحتمل أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفف الجلد وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وقتادة، ويحتمل كلا الأمرين والأول أولى لأن الذي تقدم ذكره الأمر بنفس الجلد، ولم يذكر صفته، فما يعقبه يجب أن يكون راجعاً إليه وكفى برسول الله أسوة في ذلك حيث قال :"لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" ونبه بقوله في دين الله على أن الدين إذا أوجب أمراً لم يصح استعمال الرأفة في خلافه.
أما قوله تعالى :﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ فهو من باب التهييج والنهاب الغضب لله تعالى ولدينه. قال الجبائي تقدير الآية : إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود، وهذا يدل على أن الاشتغال بأداء الواجبات من الإيمان بخلاف ما تقوله المرجئة والجواب : أن الرأفة لا تحصل إلا إذا حكم الإنسان بطبعه أن الأولى أن لا تقام تلك الحدود، وحينئذ يكون منكراً للدين فيخرج عن الإيمان في الحديث "يؤتى بوال نقص من الحد سوطاً، فيقال له لم فعلت ذاك ؟
فيقول رحمة لعبادك، فيقال له أنت أرحم بهم مني فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطاً فيقال له لم فعلت ذلك ؟
فيقول لينتهوا عن معاصيك، فيقول أنت أحكم به مني فيؤمر به إلى النار".
أما قوله تعالى :﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآاـاِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى :﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآاـاِفَةٌ﴾ أمر وظاهره للوجوب، لكن الفقهاء قالوا يستحب حضور الجمع والمقصود إعلان إقامة الحد، لما فيه من مزيد الردع، ولما فيه من رفع التهمة عمن يجلد، وقيل أراد بالطائفة الشهود لأنه يجب حضورهم ليعلم بقاؤهم على الشهادة.
المسألة الثانية : اختلفوا في أقل الطائفة على أقوال : أحدها : أنه رجل واحد وهو قول النخعي ومجاهد. واحتجا بقوله تعالى :﴿وَإِن طَآاـاِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ (الحجرات : ٩) وثانيها : أنه اثنان وهو قول عكرمة وعطاء واحتجا بقوله تعالى :﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ﴾ (التوبة : ١٢٢) وكل ثلاثة فرقة والخارج من الثلاثة واحد أو اثنان، والاحتياط يوجب الأخذ بالأكثر وثالثها : أنه ثلاثة وهو قول الزهري وقتادة، قالوا الطائفة هي الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة، كأنها الجماعة الحافة حول الشيء، وهذه الصورة أقل ما لا بد في حصولها هو الثلاثة ورابعها : أنه أربعة بعدد شهود الزنا، وهو قول ابن عباس والشافعي رضي الله عنهم وخامسها : أنه عشرة وهو قول الحسن البصري، لأن العشرة هي العدد الكامل.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
المسألة الثالثة : تسميته عذاباً يدل على أنه عقوبة، ويجوز أن يسمى عذاباً لأنه يمنع المعاودة كما سمي نكالاً لذلك، ونبه تعالى بقوله :﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على أن الذين يشهدون يجب أن يكونوا بهذا الوصف، لأنهم إذا كانوا كذلك عظم موقع حضورهم في الزجر وعظم موقع إخبارهم عما شاهدوا فيخاف المجلود من حضورهم الشهرة، فيكون ذلك أقوى في الانزجار. والله أعلم.
الحكم الثاني
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
٣٣٠
قرىء ﴿لا يَنكِحُ﴾ بالجزم عن النهي، وقرىء ﴿وَحُرِّمَ﴾ بفتح الحاء ثم إن في الآية سؤالات :
السؤال الأول : قوله :﴿الزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ ظاهره خبر، ثم إنه ليس الأمر كما يشعر به هذا الظاهر، لأنا نرى أن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف.
السؤال الثاني : أنه قال :﴿وَحُرِّمَ ذَالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ وليس كذلك، فإن المؤمن يحل له / التزوج بالمرأة الزانية والجواب : اعلم أن المفسرين لأجل هذين السؤالين ذكروا وجوهاً : أحدها : وهو أحسنها، ما قاله القفال : وهو أن اللفظ وإن كان عاماً لكن المراد منه الأعم الأغلب، وذلك لأن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو في مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة والمشركين، فهذا على الأعم الأغلب كما يقال لا يفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي فكذا ههنا.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٣٠


الصفحة التالية
Icon