المسألة السادسة والعشرون : لو سميت رجلاً بأحمر لم تصرفه، بالاتفاق، لاجتماع العلمية ووزن الفعل، أما إذا نكرته فقال سيبويه : لا أصرفه، وقال الأخفش : أصرفه. واعلم أن الجمهور يقولون في تقرير مذهب سيبويه على ما يحكى أن المازني قال : قلت للأخفش : كيف قلت مررت بنسوة أربع فصرفت مع وجود الصفة ووزن الفعل ؟
قال : لأن أصله الإسمية فقلت : فكذا لا تصرف أحمر اسم رجل إذا نكرته لأن أصله الوصفية، قال المازني : فلم يأتِ الأخفش بمقنع، وأقول : كلام المازني ضعيف، لأن الصرف ثبت على وفق الأصل في قوله :"مررت بنسوة أربع" لأنه يكفي عود الشيء إلى حكم الأصل أدنى سبب، بخلاف المنع من الصرف ؛ فإنه على خلاف الأصل فلا يكفي فيه إلا السبب القوي، وأقول : الدليل على صحة مذهب سيبويه أنه حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير / منصرف، أما المقدمة الأولى فهي إنما تتم بتقرير ثلاثة أشياء : الأول : ثبوت وزن الفعل وهو ظاهر، والثاني : الوصفية، والدليل عليه أن العلم إذا نكر صار معناه الشيء الذي يسمى بذلك الاسم. فإذا قيل :"رب زيد رأيته" كان معناه رب شخص مسمى باسم زيد رأيته، ومعلوم أن كون الشخص مسمى بذلك الاسم صفة لا ذات، والثالث : أن الوصفية أصلية، والدليل عليه أن لفظ الأحمر حين كان وصفاً معناه الاتصاف بالحمرة، فإذا جعل علماً ثم نكر كان معناه كونه مسمى بهذا الاسم، وكونه كذلك صفة إضافية عارضة له، فالمفهومان اشتركا في كون كل واحد منهما صفة إلا أن الأول يفيد صفة حقيقية والثاني يفيد صفة إضافية، والقدر المشترك بينهما كونه صفة، فثبت بما ذكرنا أن حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف لما ذكرناه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
فإن قيل : يشكل ما ذكرتم بالعلم الذي ما كان وصفاً فإنه عند التنكير ينصرف مع أنه عند التنكير يفيد الوصفية بالبيان الذي ذكرتم.
قلنا إنه وإن صار عند التنكير وصفاً إلا أن وصفيته ليست أصلية لأنها ما كانت صفة قبل ذلك بخلاف الأحمر فإنه كان صفة قبل ذلك، والشيء الذي يكون في الحال صفة مع أنه كان قبل ذلك صفة كان أقوى في الوصفية مما لا يكون كذلك، فظهر الفرق.
واحتج الأخفش بأن المقتضى للصرف قائم وهو الاسمية، والعارض الموجود لا يصح معارضاً، لأنه علم منكر والعلم المنكر موصوف بوصف كونه منكراً، والموصوف باقٍ عند وجود الصفة، فالعلمية قائمة في هذه الحالة، والعلمية تنافي الوصفية، فقد زالت الوصفية فلم يبق سوى وزن الفعل والسبب الواحد لا يمنع من الصرف/ والجواب : أنا بينا بالدليل العقلي أن العلم إذا جعل منكراً صار وصفاً في الحقيقة فسقط هذا الكلام.
المسألة السابعة والعشرون : قال سيبويه : السبب الواحد لا يمنع الصرف، خلافاً للكوفيين، حجة سيبويه أن المقتضى للصرف قائم، وهو الإسمية، والسببان أقوى من الواحد فعند حصول السبب الواحد وجب البقاء على الأصل. وحجة الكوفيين قولهم المقدم، وقد قيل أيضاً : ـ
فوما كان حصن ولا حابس
يفوقان مرداس في مجمع
وجوابه أن الرواية الصحيحة في هذا البيت : يفوقان شيخي في مجمع.
المسألة الثامنة والعشرون : قال سيبويه : ما لا ينصرف يكون في موضع الجر مفتوحاً / واعترضوا عليه بأن الفتح من باب البناء، وما لا ينصرف غير مبني، وجوابه أن الفتح اسم لذات الحركة من غير بيان أنها إعرابية أو بنائية.
المسألة التاسعة والعشرون : إعراب الأسماء ثلاثة : الرفع، والنصب، والجر، وكل واحد منها علامة على معنى، فالرفع علم الفاعلية، والنصب علم المفعولية، والجر علم الإضافة وأما التوابع فإنها في حركاتها مساوية للمتبوعات.
سر ارتفاع الفاعل وانتصاب المفعول :
المسألة الثلاثون : السبب في كون الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً والمضاف إليه مجرراً وجوه : ـ
الأول : أن الفاعل واحد، والمفعول أشياء كثيرة، لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول واحد، وإلى مفعولين، وإلى ثلاثة، ثم يتعدى أيضاً إلى المفعول له، وإلى الظرفين، وإلى المصدر والحال، فلما كثرت المفاعيل اختير لها أخف الحركات وهو النصب، ولما قل الفاعل اختير له أثقل الحركات وهو الرفع، حتى تقع الزيادة في العدد مقابلة للزيادة في المقدار فيحصل الاعتدال.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
الثاني : أن مراتب الموجودات ثلاثة : مؤثر لا يتأثر وهو الأقوى، وهو درجة الفاعل ومتأثر لا يؤثر وهو الأضعف، وهو درجة المفعول، وثالث يؤثر باعتبار ويتأثر باعتبار وهو المتوسط، وهو درجة المضاف إليه، والحركات أيضاً ثلاثة : أقواها الضمة وأضعفها الفتحة وأوسطها الكسرة، فألحقوا كل نوع بشبيهه، فجعلوا الرفع الذي هو أقوى الحركات للفاعل الذي هو أقوى الأقسام، والفتح الذي هو أضعف الحركات للمفعول الذي هو أضعف الأقسام والجر الذي هو المتوسط للمضاف إليه الذي هو المتوسط من الأقسام.


الصفحة التالية
Icon