الثالث : الفاعل مقدم على المفعول : لأن الفعل لا يستغنى عن الفاعل، وقد يستغنى عن المفعول، فالتلفظ بالفاعل يوجد والنفس قوية، فلا جرم أعطوه أثقل الحركات عند قوة النفس، وجعلوا أخف الحركات لما يتلفظ به بعد ذلك.
أنواع المرفوعات وأصلها :
المسألة الحادية والثلاثون : المرفوعات سبعة : الفاعل، والمبتدأ، وخبره، واسم كان، واسم ما ولا المشبهتين بليس، وخبر أن، وخبر لا النافية للجنس، ثم قال الخليل الأصل في الرفع الفاعل، والبواقي مشبهة به، وقال سيبويه : الأصل هو المبتدأ، والبواقي مشبهة به، وقال الأخفش : كل واحد منهما أصل بنفسه، واحتج الخليل بأن جعل الرفع إعراباً للفاعل أولى من جعله إعراباً للمبتدأ، والأولوية تقتضي الأولية : بيان الأول : أنك إذا قلت :"ضرب زيد بكر" بإسكان المهملتين لم يعرف أن الضارب من هو والمضروب من هو أما إذا قلت :"زيد / قائم" بإسكانهما عرفت من نفس اللفظتين أن المبتدأ أيهما والخبر أيهما، فثبت أن افتقار الفاعل إلى الإعراب أشد، فوجب أن يكون الأصل هو. وبيان الثاني أن الرفعية حالة مشتركة بين المبتدأ والخبر، فلا يكون فيها دلالة على خصوص كونه مبتدأ ولا على خصوص كونه خبراً، أما لا شك أنه في الفاعل يدل على خصوص كونه فاعلاً، فثبت أن الرفع حق الفاعل، إلا أن المبتدأ لما أشبه الفاعل في كونه مسنداً إليه جعل مرفوعاً رعاية لحق هذه المشابهة/ وحجة سيبويه : أنا بينا أن الجملة الإسمية مقدمة على الجمل الفعلية، فإعراب الجملة الإسمية يجب أن يكون مقدماً على إعراب الجملة الفعلية، والجواب : أن الفعل أصل في الإسناد إلى الغير فكانت الجملة الفعلية مقدمة. وحينئذٍ يصير هذا الكلام دليلاً للخليل.
أنواع المفاعيل :
المسألة الثانية والثلاثون :
المفاعيل خمسة، لأن الفاعل لا بدّ له من فعل وهو المصدر، ولا بدّ لذلك الفعل من زمان، ولذلك الفاعل من عرض، ثم قد يقع ذلك الفعل في شيء آخر وهو المفعول به، وفي مكان، ومع شيء آخر، فهذا ضبط القول في هذه المفاعيل. وفيه مباحث عقلية : أحدها : أن المصدر قد يكون هو نفس المفعول به كقولنا :"خلق الله العالم" فإن خلق العالم لو كان مغايراً للعالم لكان ذلك المغاير له إن كان قديماً لزم من قدمه قدم العالم وذلك ينافي كونه مخلوقاً وإن كان حادثاً افتقر خلقه إلى خلق آخر ولزم التسلسل وثانيها : أن فعل الله يستغنى عن الزمان، لأنه لو افتقر إلى زمان وجب أن يفتقر حدوث ذلك الزمان إلى زمان آخر ولزم التسلسل وثالثها : أن فعل الله يستغنى عن العرض ؛ لأن ذلك العرض إن كان قديماً لزم قدم الفعل وإن كان حادثاً لزم التسلسل، وهو محال.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
عامل النصب في المفاعيل :
المسألة الثالثة والثلاثون :
اختلفوا في العامل في نصب المفعول على أربعة أقوال : الأول : وهو قول البصريين ـ أن الفعل وحده يقتضي رفع الفاعل ونصب المفعول : والثاني : وهو قول الكوفيين ـ أن مجموع الفعل والفاعل يقتضي نصب المفعول، والثالث : وهو قول هشام بن معاوية من الكوفيين ـ أن العامل هو الفاعل فقط، والرابع : وهو قول خلف الأحمر من الكوفيين ـ أن العامل في الفاعل معنى الفاعلية، وفي المفعول معنى المفعولية.
حجة البصريين أن العامل لا بدّ وأن يكون له تعلق بالمعمول، وأحد الإسمين لا تعلق له بالآخر، فلا يكون له فيه عمل ألبتة، وإذا سقط لم يبق العمل إلا للفعل.
حجة المخالف أن العامل الواحد لا يصدر عنه أثران لما ثبت أن الواحد لا يصدر عنه / إلا أثر واحد. قلنا : ذاك في الموجبات، أما في المعرفات فممنوع.
واحتج خلف بأن الفاعلية صفة قائمة بالفاعل، والمفعولية صفة قائمة بالمفعول، ولفظ الفعل مباين لهما، وتعليل الحكم بما يكون حاصلاً في محل الحكم أولى من تعليله بما يكون مبايناً له، وأجيب عنه بأنه معارض بوجه آخر : وهو أن الفعل أمر ظاهر، وصفة الفاعلية والمفعولية أمر خفي، وتعليل الحكم الظاهر بالمعنى الظاهر أولى من تعليله بالصفة الخفية والله أعلم.
الباب السابع
في إعراب الفعل
إعراب الفعل :
اعلم أن قوله :(أعوذ) يقتضي إسناد الفعل إلى الفاعل، فوجب علينا أن نبحث عن هذه المسائل.
المسألة الأولى : إذا قلنا في النحو فعل وفاعل، فلا نريد به ما يذكره علماء الأصول لأنا نقول :"مات زيد" وهو لم يفعل، ونقول من طريق النحو : مات فعل، وزيد فاعله، بل المراد أن الفعل لفظة مفردة دالة على حصول المصدر لشيء غير معين في زمان غير معين، فإذا صرحنا بذلك الشيء الذي حصل المصدر له فذاك هو الفاعل، ومعلوم أن قولنا حصل المصدر له أعم من قولنا حصل بإيجاده واختياره كقولنا قام، أولاً باختياره كقولنا مات، فإن قالوا : الفعل كما يحصل في الفاعل فقد يحصل في المفعول، قلنا : إن صيغة الفعل من حيث هي تقتضي حصول ذلك المصدر لشيء ما هو الفاعل، ولا تقتضي حصوله للمفعول، بدليل أن الأفعال اللازمة غنية عن المفعول.
وجوب تقديم الفعل :


الصفحة التالية
Icon