المسألة الثانية : الفعل يجب تقديمه على الفاعل، لأن الفعل ـ إثباتاً كان أو نفياً يقتضي أمراً ما يكون هو مسنداً إليه، فحصول ماهية الفعل في الذهن يستلزم حصول شيء يسند الذهن ذلك الفعل إليه/ والمنتقل إليه متأخر بالرتبة عن المنتقل عنه، فلما وجب كون الفعل مقدماً على الفاعل في الذهن وجب تقدمه عليه في الذكر، فإن قالوا : لا نجد في العقل فرقاً بين قولنا :"ضرب زيد" وبين قولنا :"زيد ضرب" قلنا : الفرق ظاهر، لأنا إذا قلنا زيد لم يلزم من وقوف الذهن على معنى هذا اللفظ أن يحكم بإسناد معنى آخر إليه، أما إذا فهمنا معنى لفظ ضرب لزم منه حكم الذهن بإسناد هذا المفهوم إلى شيء ما، إذا عرفت هذا فنقول : إذا قلنا :"ضرب زيد" / فقد حكم الذهن بإسناد مفهوم ضرب إلى شيء، ثم يحكم الذهن بأن ذلك الشيء هو زيد الذي تقدم ذكره، فحينئذٍ قد أخبر عن زيد بأنه هو ذلك الشيء الذي أسند الذهن مفهوم ضرب إليه، وحينئذٍ يصير قولنا : زيد مخبراً عنه وقولنا ضرب جملة من فعل وفاعل وقعت خبراً عن ذلك المبتدأ.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
ارتباط الفعل بالفاعل :
المسألة الثالثة : قالوا : الفاعل كالجزء من الفعل، والمفعول ليس كذلك، وفي تقريره وجوه : الأول : أنهم قالوا ضربت فاسكنوا لام الفعل لئلا يجتمع أربع متحركات، وهم يحترزون عن تواليها في كلمة واحدة، وأما بقرة فإنما احتملوا ذلك فيها لأن التاء زائدة، واحتملوا ذلك في المفعول كقولهم ضربك، وذلك يدل على أنهم اعتقدوا أن الفاعل جزء من الفعل، وأن المفعول منفصل عنه، الثاني : أنك تقول : الزيدان قاما أظهرت الضمير للفاعل، وكذلك إذا قلت زيد ضرب وجب أن يكون الفعل مسند إلى الضمير المستكن طرداً للباب، والثالث : وهو الوجه العقلي ـ أن مفهوم قولك ضرب هو أنه حصل الضرب لشيء ما في زمان مضى، فذلك الشيء الذي حصل له الضرب جزء من مفهوم قولك ضرب، فثبت أن الفاعل جزء من الفعل.
الإضمار قبل الذكر :
المسألة الرابعة : الإضمار قبل الذكر على وجوه : أحدها : أن يحصل صورة ومعنى، كقولك ضرب غلامه زيداً والمشهور أنه لا يجوز لأنك رفعت غلامه بضرب فكان واقعاً موقعه والشيء إذا وقع موقعه لم تجز إزالته عنه، وإذا كان كذلك كانت الهاء في قولك غلامه ضميراً قبل الذكر، وأما قول النابغة : ـ
فجزى ربه عني عدي بن حاتم
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
فجوابه : أن الهاء عائدة إلى مذكور متقدم، وقال ابن جني : وأنا أجيز أن تكون الهاء في قوله ربه عائدة على عدي خلافاً للجماعة، ثم ذكر كلاماً طويلاً غير ملخص، وأقول : الأولى في تقريره أن يقال : الفعل من حيث أنه فعل كان غنياً عن المفعول لكن الفعل المتعدي لا يستغنى عن المفعول، وذلك لأن الفاعل هو المؤثر، والمفعول هو القابل، والفعل مفتقر إليهما ولا تقدم لأحدهما على الآخر، أقصى ما في الباب أن يقال إن الفاعل مؤثر، والمؤثر أشرف من القابل، فالفاعل متقدم على المفعول من هذا الوجه، لأنا بينا أن الفعل المتعدي مفتقر إلى المؤثر وإلى القابل معاً وإذا ثبت هذا فكما جاز تقديم الفاعل على المفعول وجب أيضاً جواز تقديم المفعول على الفاعل.
القسم الثاني : وهو أن يتقدم المفعول على الفاعل في الصورة لا في المعنى ؛ وهو كقولك ضرب غلامه زيد : فغلامه مفعول، وزيد فاعل، ومرتبه، المفعول بعد مرتبة الفاعل، إلا أنه وأن تقدم في اللفظ لكنه متأخر في المعنى.
والقسم الثالث : وهو أن يقع في المعنى لا في الصورة، كقوله تعالى :﴿وَإِذِ ابْتَلَى ا إِبْرَاه مَ رَبُّه بِكَلِمَـاتٍ﴾ (البقرة : ١٢٤) فههنا الإضمار قبل الذكر غير حاصل في الصورة، لكنه حاصل في المعنى، لأن الفاعل مقدم في المعنى، ومتى صرح بتقديمه لزم الإضمار قبل الذكر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
إظهار الفاعل وإضماره :
المسألة الخامسة : الفاعل قد يكون مظهراً كقولك ضرب زيد، وقد يكون مضمراً بارزاً كقولك ضربت وضربنا/ ومضمراً مستكناً كقولك زيد ضرب، فتنوي في ضرب فاعلاً وتجعل الجملة خبراً عن زيد، ومن إضمار الفاعل قولك إذا كان غداً فأتني، أي : إذا كان ما نحن عليه غداً.
قد يحذف الفعل :
المسألة السادسة : الفعل قد يكون مضمراً، يقال : من فعل ؟
فتقول : زيد، والتقدير فعل زيد، ومنه قوله تعالى :﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَـامَ اللَّهِ﴾ (التوبة : ٦) والتقدير وإن استجارك أحد من المشركين.
الشارع في العمل :
المسألة السابعة : إذا جاء فعلان معطوفاً أحدهما على الآخر وجاء بعدهما اسم صالح لأن يكون معمولاً لهما فهذا على قسمين، لأن الفعلين : أما أن يقتضيا عملين متشابهين، أو مختلفين وعلى التقديرين فأما أن يكون الاسم المذكور بعدهما واحداً، أو أكثر فهذه أقسام أربعة.


الصفحة التالية
Icon