السؤال الأول : الاستئناس عبارة عن الأنس الحاصل من جهة المجالسة، قال تعالى ولا مستأنسين لحديث، وإنما يحصل ذلك بعد الدخول والسلام فكان الأولى تقديم السلام على الاستئناس فلم جاء على العكس من ذلك ؟
والجواب : عن هذا من وجوه : أحدها : ما يروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير، إنما هو حتى تستأذنوا فأخطأ الكاتب، وفي قراءة أبي : حتى تستأذنوا لكم والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور، وهو الدخول بغير إذن واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب، وفي الحديث "من سبقت عينه استئذانه فقد دمر، واعلم أن هذا القول من ابن عباس فيه نظر لأنه يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وأنه باطل وثانيها : ما روي عن الحسن البصري أنه قال إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى : حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا، وذلك لأن السلام مقدم على الاستئناس، وفي قراءة عبدالله : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا، وهذا أيضاً ضعيف لأنه خلاف الظاهر وثالثها : أن تجري الكلام على ظاهره. ثم في تفسير الاستئناس وجوه : الأول : حتى تستأنسوا بالإذن وذلك لأنهم إذا استأذنوا وسلموا أنس أهل البيت، ولو دخلوا بغير إذن لاستوحشوا وشق عليهم الثاني : تفسير الاستئناس بالاستعلام والاستكشاف استفعال من آنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً، والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم. ومنه قولهم استأنس هل ترى أحداً، واستأنست فلم أر أحداً أي تعرفت واستعلمت، فإن قيل وإذا حمل على الأنس ينبغي أن يتقدمه السلام كما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول :"السلام عليكم أأدخل" قلنا المستأذن ربما لا يعلم أن أحداً في المنزل فلا معنى لسلامه والحالة هذه، والأقرب أن يستعلم بالاستئذان هل هناك من يأذن، فإذا أذن ودخل صار مواجهاً له فيسلم عليه والثالث : أن يكون اشتقاق الاستئناس / من الإنس وهو أن يتعرف هل ثم إنسان، ولا شك أن هذا مقدم على السلام والرابع : لو سلمنا أن الاستئناس إنما يقع بعد السلام ولكن الواو لا توجب الترتيب، فتقديم الاستئناس على السلام في اللفظ لا يوجب تقديمه عليه في العمل.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٦٨
السؤال الثاني : ما الحكم في إيجاب تقديم الاستئذان ؟
والجواب : تلك الحكمة هي التي نبه الله تعالى عليها في قوله :﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ فدل بذلك على أن الذي لأجله حرم الدخول إلا على هذا الشرط هو كون البيوت مسكونة/ إذ لا يأمن من يهجم عليها بغير استئذان أن يهجم على ما لا يحل له أن ينظر إليه من عورة، أو على ما لا يحب القوم أن يعرفه غيرهم من الأحوال، وهذا من باب العلل المنبه عليها بالنص، ولأنه تصرف في ملك الغير فلا بد وأن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب.
السؤال الثالث : كيف يكون الاستئذان ؟
الجواب : استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أألج ؟
فقال عليه الصلا والسلام لامرأة يقال لها روضة "قومي إلى هذا فعلميه فإنه لا يحسن أن يستأذن قولي له يقول السلام عليكم أأدخل فسمعها الرجل فقالها، فقال ادخل فدخل وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أشياء وكان يجيب، فقال هل في العلم ما لا تعلمه، فقال عليه الصلاة والسلام : لقد آتاني خيراً كثيراً وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله، وتلا إن الله عنده علم الساعة إلى آخره" وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته حييتم صباحاً وحييتم مساء، ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد، فصدق الله تعالى عن ذلك وعلم الأحسن والأجمل، وعن مجاهد حتى تستأنسوا هو التنحنح، وقال عكرمة هو التسبيح والتكبير ونحوه.


الصفحة التالية
Icon