السؤال الثالث : ما السبب في إباحة نظر هؤلاء إلى زينة المرأة ؟
الجواب : لأنهم مخصوصون بالحاجة إلى مداخلتهن ومخالطتهن ولقلة توقع الفتنة بجهاتهن، ولما في الطباع من النفرة عن مجالسة الغرائب، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم فى الأسفار وللنزول والركوب وتاسعها : قوله تعالى :﴿أَوْ نِسَآاـاِهِنَّ﴾ وفيه قولان : أحدهما : المراد والنساء اللاتي هن على دينهن، وهذا قول أكثر السلف. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لها لقوله تعالى :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ﴾ وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات وثانيهما : المراد بنسائهن جميع النساء، وهذا هو المذهب وقول السلف محمول على الاستحباب والأولى وعاشرها : قوله تعالى :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ﴾ وظاهر الكلام يشمل العبيد والإماء، واختلفوا فمنهم من أجرى الآية على ظاهرها، وزعم أنه لا بأس عليهن في أن يظهرن لعبيدهن من زينتهن ما يظهرن لذوي محارمهن، وهو مروي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، واحتجوا بهذه الآية وهو ظاهر. وبما روى أنس :"أنه عليه الصلاة والسلام أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما بها، قال : إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك" وعن مجاهد : كان أمهات المؤمنن لا يحتجبن عن مكاتبهن ما بقي عليه درهم. وعن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت لذكوان :"إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر. وروي أن عائشة رضي الله عنها : كانت تمتشط والعبد ينظر إليها، وقال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم : إن العبد لا ينظر إلى شعر مولاته، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، واحتجوا عليه بأمور : أحدها : قوله عليه الصلاة والسلام :"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً فوق ثلاث إلا مع ذي محرم" والعبد ليس بذي محرم منها فلا يجوز أن يسافر بها، وإذا لم يجز له السفر بها لم / يجز له النظر إلى شعرها كالحر الأجنبي وثانيها : أن ملكها للعبد لا يحلل ما يحرم عليه قبل الملك إذ ملك النساء للرجال ليس كملك الرجال للنساء، فإنهم لم يختلفوا في أنها لا تستبيح بملك العبد منه شيئاً من التمتع كما يملكه الرجل من الأمة وثالثها : أن العبد وإن لم يجز له أن يتزوج بمولاته إلا أن ذلك التحريم عارض كمن عنده أربع نسوة فإنه لا يجوز له التزوج بغيرهن فلما لم تكن هذه الحرمة مؤبدة كان العبد بمنزلة سائر الأجانب. إذا ثبت هذا ظهر أن المراد من قوله :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٧١
﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ﴾ الإماء فإن قيل الإماء دخلن في قوله :﴿نِسَآاـاِهِنَّ﴾ فأي فائدة في الإعادة ؟
قلنا الظاهر أنه عنى بنسائهن وما ملكت أيمانهن من في صحبتهن من الحرائر والإماء، وبيانه أنه سبحانه ذكر أولاً أحوال الرجال بقوله :﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ إلى آخر ما ذكر فجاز أن يظن ظان أن الرجال مخصوصون بذلك إذ كانوا ذوي المحارم أو غير ذات المحارم، ثم عطف على ذلك الإماء بقوله :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ﴾ لئلا يظن أن الإباحة مقصورة على الحرائر من النساء إذ كان ظاهر قوله :﴿أَوْ نِسَآاـاِهِنَّ﴾ يقتضي الحرائر دون الإماء كقوله :﴿شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ (البقرة : ٢٨٢) على الأحرار لإضافتهم إلينا كذلك قوله :﴿أَوْ أَبْنَآاـاِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآاـاِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ أَوِ التَّـابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الارْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon