﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ ﴾ (النساء : ٣) وذكر كلمة أو للتخيير بين الشيئين، والتخيير بين الشيئين أمارة التساوي، كقول الطبيب للمريض كل الرمان أو التفاح، وإذا ثبت الاستواء فالتسري مرجوح، ومساوى المرجوح مرجوح، فالنكاح يجب أن يكون مرجوحاً وسادسها : أن النافلة أشق فتكون أكثر ثواباً بيان أنها أشق أن ميل الطباع إلى النكاح أكثر، ولولا ترغيب الشرع لما رغب أحد في النوافل، وإذا ثبت أنها أشق وجب أن تكون أكثر ثواباً لقوله عليه الصلاة والسلام :"أفضل العبادات أحمزها" وقوله صلى الله عليه وسلّم لعائشة :"أجرك على قدر نصبك" وسابعها : لو كان النكاح مساوياً للنوافل في الثواب مع / أن النوافل أشق منه لما كانت النوافل مشروعة. لأنه إذا حصل طريقان إلى تحصيل المقصود وكانا في الإفضاء إلى المقصود سيين وكان أحدهما شاقاً والآخر سهلاً، فإن العقلاء يستقبحون تحصيل ذلك المقصود بالطريق الشاق مع المكنة من الطريق السهل، ولما كانت النوافل مشروعة علمنا أنها أفضل وثامنها : لو كان الاشتغال بالنكاح أولى من النافلة لكان الاشتغال بالحراثة والزراعة أولى من النافلة بالقياس على النكاح والجامع كون كل واحد منهما سبباً لبقاء هذا العالم ومحصلاً لنظامه وتاسعها : أجمعنا على أنه يقدم واجب العبادة على واجب النكاح، فيقدم مندوبها على مندوبه لاتحاد السبب وعاشرها : أن النكاح اشتغال بتحصيل اللذات الحسية الداعية إلى الدنيا، والنافلة قطع العلائق الجسمانية وإقبال على الله تعالى فأين أحدهما من الآخر ؟
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :"حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" فرجح الصلاة على النكاح، حجة أبي حنيفة رحمه الله من وجوه : الأول : أن النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا فيكون ذلك دفعاً للضرر عن النفس، والنافلة جلب النفع ودفع الضرر أولى من جلب النفع الثاني : أن النكاح يتضمن العدل والعدل أفضل من العبادة لقوله عليه الصلاة والسلام :"لعدل ساعة خير من عبادة ستين سنة" الثالث : النكاح سنة مؤكدة لقوله عليه الصلاة والسلام :"من رغب عن سنتي فليس مني" وقال في الصلاة وإنها خير موضوع :"فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل" فوجب أن يكون النكاح أفضل.
المسألة السادسة : قوله تعالى :﴿وَأَنكِحُوا الايَـامَى ﴾ (النور : ٣٢) وإن كانت تتناول جميع الأيامى بحسب الظاهر لكنهم أجمعوا على أنه لا بد فيها من شروط، وقد تقدم شرحها في قوله :﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَالِكُمْ﴾ (النساء : ٢٤).
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٧٧
أما قوله تعالى :﴿مِنكُمُ﴾ فقد حمله كثير من المفسرين على أن المراد هم الأحرار لينفصل الحر من العبد، وقال بعضهم بل المراد بذلك من يكون تحت ولاية المأمور من الولد أو القريب، ومنهم من قال الإضافة تفيد الحرية والإسلام.
أما قوله تعالى :﴿وَالصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآاـاِكُمْ ﴾ (النور : ٣٢) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ظاهر أنه أيضاً أمر للسادة بتزويج هذين الفريقين إذا كانوا صالحين، وأنه لا فرق بين هذا الأمر وبين الأمر بتزويج الأيامى في باب الوجوب، لكنهم اتفقوا على أنه إباحة أو ترغيب، فأما أن يكون واجباً فلا، وفرقوا بينه وبين تزويج الأيامى بأن في تزويج العبد التزام مؤنة وتعطيل خدمة، وذلك ليس بواجب على السيد وفي تزويج الأمة استفادة مهر وسقوط نفقة، وليس ذلك بلازم على المولى.
المسألة الثانية : إنما خص الصالحين بالذكر لوجوه : الأول : ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم الثاني : لأن الصالحين من الأرقاء هم الذين مواليهم يشفقون عليهم (و) ينزلونهم منزلة / الأولاد في المودة، فكانوا مظنة للتوصية بشأنهم والاهتمام بهم وتقبل الوصية فيهم، وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك الثالث : أن يكون المراد الصلاح لأمر النكاح حتى يقوم العبد بما يلزم لها، وتقوم الأمة بما يلزم للزوج الرابع : أن يكون المراد الصلاح في نفس النكاح بأن لا تكون صغيرة فلا تحتاج إلى النكاح.
المسألة الثالثة : ظاهر الآية يدل على أن العبد لا يتزوج بنفسه، وإنما يجوز أن يتولى المولى تزويجه، لكن ثبت بالدليل أنه إذا أمره بأن يتزوج جاز أن يتولى تزويج نفسه، فيكون توليه بإذنه بمنزلة أن يتولى ذلك نفس السيد، فأما الإماء فلا شبهة في أن المولى يتولى تزويجهن خصوصاً على قول من لا يجوز النكاح إلى بولي.
أما قوله تعالى :﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِه ﴾ (النور : ٣٢) ففيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon