المسألة السادسة : قوله :﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ﴾ أي ضخم مضيء ودراري النجوم عظامها، واتفقوا على أن المراد به كوكب من الكواكب المضيئة كالزهرة والمشتري والثوابت التي في العظم الأول.
المسألة السابعة : قوله :﴿مِن شَجَرَةٍ مُّبَـارَكَةٍ﴾ أي من زيت شجرة مباركة أي كثيرة البركة والنفع، وقيل هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان وقد بارك فيها سبعون نبياً، منهم الخليل، وقيل المراد زيتون الشام، لأنها هي الأرض المباركة فلهذا جعل الله هذه شجرة مباركة.
المسألة الثامنة : اختلفوا في معنى وصف الشجرة بأنها لا شرقية ولا غربية على وجوه : أحدها : قال الحسن إنها شجرة الزيت من الجنة إذ لو كانت من شجر الدنيا لكانت إما شرقية أو غربية وهذا ضعيف لأنه تعالى إنما ضرب المثل بما شاهدوه وهم ما شاهدوا شجرة الجنة وثانيها : أن المراد شجرة الزيتون في الشام لأن الشام وسط الدنيا فلا يوصف شجرها بأنها شرقية أو غربية وهذا أيضاً ضعيف لأن من قال الأرض كرة لم يثبت المشرق والمغرب موضعين معينين بل لكل بلد مشرق ومغرب على حدة، ولأن المثل مضروب لكل من يعرف الزيت، وقد يوجد في / غير الشام كوجوده فيها وثالثها : أنها شجرة تلتف بها الأشجار فلا تصيبها الشمس في شرق ولا غرب، ومنهم من قال هي شجرة يلتف بها ورقها التفافاً شديداً فلا تصل الشمس إليها سواء كانت الشمس شرقية أو غربية، وليس في الشجر ما يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمان، وهذا أيضاً ضعيف لأن الغرض صفاء الزيت وذلك لا يحصل إلا بكمال نضج الزيتون وذلك إنما يحصل في العادة بوصول أثر الشمس إليه لا بعدم وصوله ورابعها : قال ابن عباس المراد الشجرة التي تبرز على جبل عال أو صحراء واسعة فتطلع الشمس عليها حالتي الطلوع والغروب، وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة واختيار الفراء والزجاج، قالا ومعناه لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها ولكنها شرقية وغربية وهو كما يقال فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم، وهذا القول هو المختار لأن الشجرة متى كانت كذلك كان زيتها في نهاية الصفاء وحينئذ يكون مقصود التمثيل أكمل وأتم وخامسها : المشكاة صدر محمد صلى الله عليه وسلّم والزجاجة قلبه والمصباح ما في قلبه صلى الله عليه وسلّم من الدين، توقد من شجرة مباركة، يعني واتبعوا ملة أبيكم إبراهيم صلوات الله عليه فالشجرة هي إبراهيم عليه السلام، ثم وصف إبراهيم فقال لا شرقية ولا غربية أي لم يكن يصلي قبل المشرق ولا قبل المغرب كاليهود والنصارى بل كان عليه الصلاة والسلام يصلي إلى الكعبة.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٣٩٩
المسألة التاسعة : وصف الله تعالى زيتها بأنه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار لأن الزيت إذا كان خالصاً صافياً ثم رؤي من بعيد يرى كأن له شعاعاً، فإذا مسه النار ازداد ضوأ على ضوء، كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد نوراً على نور وهدى على هدى، قال يحيى بن سلام قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبين له لموافقته له، وهو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام :"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" وقال كعب الأحبار المراد من الزيت نور محمد صلى الله عليه وسلّم أي يكاد نوره يبين للناس قبل أن يتكلم، وقال الضحاك يكاد محمد صلى الله عليه وسلّم يتكلم بالحكمة قبل الوحي، وقال عبدالله بن رواحة :
لو لم تكن فيه آيات مبينة
كانت بديهته تنبيك بالخبر
المسألة العاشرة : قوله تعالى :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ المراد ترادف هذه الأنوار واجتماعها، قال أبي بن كعب : المؤمن بين أربع خلال أن أعطى شكر وإن ابتلى صبر وإن قال صدق وإن حكم عدل، فهو في سائر الناس كالرجل الحي الذي يمشي بين الأموات يتقلب في خمس من النور، كلامه نور وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة، قال الربيع سألت أبا العالية عن مدخله ومخرجه فقال سره وعلانيته.


الصفحة التالية
Icon