﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ و﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾ (ص : ٢١) فيقول : ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات، وأنزلنا أقاصيص من بعث قبلكم من الأنبياء والمؤمنين في بيوت أذن الله أن ترفع ورابعها : قول الجبائي إنه كلام مستأنف لا تعلق له بما تقدم والتقدير صلوا في بيوت أذن الله أن ترفع وخامسها : وهو قول الفراء والزجاج إنه لا حذف في الآية بل فيه تقديم وتأخير كأنه قال يسبح في بيوت أذن الله أن ترفع رجال صفتهم كيت وكيت، وأما قول أبي مسلم فقد اعترض عليه القاضي من وجهين : الأول : أن قوله :﴿وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ﴾ (النور : ٣٤) المراد منه خلا من المكذبين للرسل لتعلقه بما تقدم من الإكراه على الزنا ابتغاء للدنيا فلا يليق ذلك بوصف هذه البيوت لأنها بيوت أذن أن يذكر فيها اسمه الثاني : أن هذه الآية صارت منقطعة عن تلك الآية بما تخلل بينهما من قوله تعالى :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (النور : ٣٥) وأما قول الجبائي فقيل الإضمار لا يجوز المصير إليه إلا عند الضرورة وعلى التأويل الذي ذكره الفراء والزجاج لا حاجة إليه فلا يجوز المصير إليه فإن قيل على قول الزجاج يتوجه عليه إشكال أيضاً لأن على قوله يصير المعنى في بيوت أذن الله يسبح له فيها فيكون قوله فيها تكراراً من غير فائدة/ فلم قلتم إن تحمل هذه الزيادة أولى من تحمل مثل ذلك النقصان ؟
قلنا الزيادة لأجل التأكيد كثيرة فكان المصير إليها أولى.
المسألة الثانية : أكثر المفسرين قالوا المراد من قوله :﴿فِى بُيُوتٍ﴾ المساجد وعن عكرمة ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ قال هي البيوت كلها والأول أولى لوجهين : الأول : أن في البيوت ما لا يمكن أن يوصف بأن الله تعالى أذن أن ترفع الثاني : أنه تعالى وصفها بالذكر والتسبيح والصلاة وذلك لا يليق إلا بالمساجد ثم للقائلين بأن المراد هو المساجد قولان : أحدهما : أن المراد أربع مساجد الكعبة بناها إبراهيم وإسمعيل عليهما الصلاة والسلام، وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، ومسجد المدينة بناه النبي صلى الله عليه وسلّم ومسجد قباء الذي أسس على التقوى بناه نبي صلى الله عليه وسلّم وعن الحسن هو بيت المقدس يسرج فيه عشرة آلاف قنديل والثاني : أن المراد هو جميع المساجد والأول ضعيف لأنه تخصيص بلا دليل فالأول حمل اللفظ على جميع المساجد، قال ابن عباس رضي الله عنهما المساجد بيوت الله في الأرض وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٠١
المسألة الثالثة : اختلفوا في المراد من قوله :﴿أَن تُرْفَعَ﴾ على أقوال أحدها : المراد من رفعها بناؤها لقوله :﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاـاهَا﴾ (النازعات : ٢٧، ٢٨) وقوله :﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاه مُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ (البقرة : ١٢٧) وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي المساجد أمر الله أن تبنى وثانيها : ترفع أي تعظم وتطهر عن الأنجاس وعن اللغو من الأقوال عن الزجاج وثالثها : المراد مجموع الأمرين.
والقول الثاني أولى لأن قوله :﴿فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾ ظاهره أنها كانت بيوتاً قبل الرفع فأذن الله أن ترفع.
المسألة الرابعة : اختلفوا في المراد من قوله :﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه ﴾ فالقول الأول : أنه عام في كل ذكر والثاني : أن يتلى فيها كتابه عن ابن عباس والثالث : لا يتكلم فيها بما لا ينبغي والأول أولى لعموم اللفظ.
المسألة الخامسة : قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ﴿يُسَبِّحُ﴾ بفتح الباء والباقون بكسرها فعلى القراءة الأولى يكون القول ممتداً إلى آخر الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو والآصال، ثم قال الزجاج ﴿رِجَالٌ﴾ مرفوع لأنه لما قال ﴿يُسَبِّحُ لَه فِيهَا﴾ فكأنه قيل من يسبح ؟
فقيل يسبح رجال.
المسألة السادسة : اختلفوا في هذا التسبيح فالأكثرون حملوه على نفس الصلاة، ثم اختلفوا فمنهم من حمله على كل الصلوات الخمس ومنهم من حمله على صلاتي الصبح والعصر فقال كانتا واجبتين في ابتداء الحال ثم زيد فيهما، ومنهم من حمله على التسبيح الذي هو تنزيه الله تعالى عما لا يليق به في ذاته وفعله، واحتج عليه بأن الصلاة والزكاة قد عطفهما على ذلك من حيث قال عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهذا الوجه أظهر.


الصفحة التالية
Icon