المسألة السابعة : الآصال جمل أُصُل والأصُل جميع أصيل وهو العشي وإنما وجد الغدو لأنه في الأصل مصدر لا يجمع والأصيل اسم جمع، قال صاحب "الكشاف" بالغدو أي بأوقات الغدو أي بالغدوات وقرىء وهو الدخول في الأصيل يقال آصال كأعتم وأظهر، قال ابن عباس رحمهما الله إن صلاة الضحى لفي كتاب الله تعالى مذكورة وتلا هذه الآية وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"ما من أحد يغدو ويروح إلى المسجد يؤثره على ما سواه إلا وله عند الله نزل يعد له في الجنة" وفي رواية سهل بن سعد مرفوعاً "من غدا إلى المسجد وراح ليعلم خيراً أو ليتعلمه كما كمثل المجاهد في سبيل الله يرجع غانماً".
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٠١
المسألة الثامنة : اختلفوا في قوله تعالى :﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ﴾ فقال بعضهم نفى كونهم تجاراً وباعة أصلاً، وقال بعضهم بل أثبتهم تجاراً وباعة وبين أنهم مع ذلك لا يشغلهم عنها شاغل من ضروب منافع التجارات، وهذا قول الأكثرين، قال الحسن أما والله إن كانوا ليتجرون، ولكن إذا جاءت فرائض الله لم يلههم عنها شيء فقاموا بالصلاة والزكاة، وعن سالم نظر إلى قوم من أهل السوق تركوا بياعاتهم وذهبوا إلى الصلاة فقال هم الذين قال تعالى فيهم :﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ﴾، وعن ابن مسعود مثله، واعلم أن هذا القول أولى من الأول، لأنه لا يقال إن فلاناً لا تلهيه التجارة عن كيت وكيت إلا وهو تاجر، وإن احتمل الوجه الأول وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لما قال :﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ﴾ دخل فيه البيع فلم أعاد ذكر البيع ؟
قلنا الجواب عنه من وجوه : الأول : أن التجارة جنس يدخل تحت أنواع الشراء والبيع إلا أنه / سبحانه خص البيع بالذكر لأنه في الإلهاء أدخل، لأن الربح الحاصل في البيع يقين ناجز، والربح الحاصل في الشراء شك مستقبل الثاني : أن البيع يقتضي تبديل العرض بالنقد، والشراء بالعكس والرغبة في تحصيل النقد أكثر من العكس الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجلب، يقال : اتجر فلان في كذا إذا جلبه من غير بلده، والبيع ما باعه على يديه.
السؤال الثاني : لم خص الرجال بالذكر ؟
والجواب : لأن النساء لسن من أهل التجارات أو الجماعات.
المسألة التاسعة : اختلفوا في المراد بذكر الله تعالى، فقال قوم : المراد الثناء على الله تعالى والدعوات، وقال آخرون : المراد الصلوات، فإن قيل فما معنى قوله :﴿لَّيْسَ الْبِرَّ﴾ ؟
قلنا عنه جوابان : أحدهما : قال ابن عباس رضي الله عنهما المراد بإقام الصلاة إقامتها لمواقيتها والثاني : يجوز أن يكون قوله :﴿لَّيْسَ الْبِرَّ﴾ (البقرة : ٣) تفسيراً لذكر الله فهم يذكرون الله قبل الصلاة وفي الصلاة.
المسألة العاشرة : قد ذكرنا في أول تفسير سورة البقرة في قوله :﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَواةَ﴾ أن إقام الصلاة هو القيام بحقها على شروطها، والوجه في حذف الهاء ما قاله الزجاج، يقال أقمت الصلاة إقامة وكان الأصل إقواماً، ولكن قلبت الواو ألفاً فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقي أقمت الصلاة إقاماً، فأدخلت الهاء عوضاً من المحذوف وقامت الإضافة ههنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة، قال وهذا إجماع من النحويين.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٠١
المسألة الحادية عشرة : اختلفوا في الصلاة فمنهم من قال هي الفرائض، ومنهم من أدخل فيه النقل على ما حكيناه في صلاة الضحى عن ابن عباس، والأول أقرب لأنه إلى التعريف أقرب وكذلك القول في الزكاة أن المراد المفروض لأنه المعروف في الشرع المسمى بذلك، وقال ابن عباس رضي الله عنهما المراد من الزكاة طاعة الله تعالى والإخلاص، وكذا في قوله :﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَه بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ﴾ (مريم : ٥٥) وقوله :﴿مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ (النور : ٢١) وقوله :﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ (التوبة : ١٠٣) وهذا ضعيف لما تقدم ولأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء، وهذا لا يحمل إلا على ما يعطى من حقوق المال.


الصفحة التالية
Icon