التقسيم الرابع : من الحيوان ما هو مصوت ومنه ما لا صوت له وكل مصوت فإنه يصير عند الاغتلام وحركة شهوة الجماع أشد تصويتاً إلا الإنسان، وأيضاً لبعض الحيوان شبق يشتد كل وقت كالديك ومنه عفيف له وقت معين.
التقسيم الخامس : بحسب الأخلاق بعض الحيوانات هادىء الطبع قليل الغضب مثل البقرة وبعضه شديد الجهل حاد الغضب كالخنزير البري وبعضها حليم خدوع كالبعير وبعضها رديء الحركات مغتال كالحية وبعضها جريء قوي شهم كبير النفس كريم الطبع كالأسد ومنها قوي مغتال وحشي كالذئب وبعضها محتال مكار رديء الحركات كالثعلب وبعضها غضوب شديد الغضب سفيه إلا أنه ملق متودد كالكلب وبعضها شديد الكيس مستأنس كالفيل والقرد وبعضها حسود متباه بجماله كالطاووس وبعضها شديد التحفظ كالجمل والحمار.
التقسيم السادس : من الحيوان ما تناسله بأن تلد أنثاه حيواناً وبعضها ما تناسله بأن تلد أنثاه دوداً كالنحل والعنكبوت فإنها تلد دوداً، ثم إن أعضاءه تستكمل بعد وبعضها تناسله بأن تبيض أنثاه بيضاً.
واعلم أن العقول قاصرة عن الإحاطة بأحوال أصغر الحيوانات على سبيل الكمال، ووجه الاستدلال بها على الصانع ظاهر لأنه لو كان الأمر بتركيب الطبائع الأربع فذلك بالنسبة إلى الكل على السوية فاختصاص كل واحد من هذه الحيوانات بأعضائها وقواها ومقادير أبدانها وأعمارها وأخلاقها لا بد وأن يكون بتدبير مدبر قاهر حكيم سبحانه وتعالى عما يقول الجاحدون. وأحسن كلام في هذا الموضع قوله سبحانه :﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَآءُا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ لأنه هو القادر على الكل والعالم بالكل فهو المطلع على أحوال هذه الحيوانات، فأي عقل يقف عليها وأي خاطر يصل إلى ذرة من أسرارها، بل هو الذي يخلق ما يشاء ولا يمنعه منه مانع ولا دافع.
وأما قوله :﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ ﴾ فالأولى حمله على كل الأدلة والعبر، ولما كان القرآن كالمشتمل على كل ذلك صح أن يكون هو المراد.
أما قوله :﴿وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ فاستدلال أصحابنا به كما تقدم والجواب : أجاب القاضي عنه بأن المراد يهدي من بلغه حد التكليف دون غيره، أو يكون المراد من أطاعه واستحق الثواب فيهديه إلى الجنة على ما تقدم في نظائره، وجوابنا عن هذا الجواب أيضاً كما تقدم في نظائره والله أعلم.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٠٦
اعلم أنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالدين بألسنتهم ولكنهم ل يقبلوه بقلوبهم وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال مقاتل : نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهودياً في أرض وكان اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف، ويقول إن محمداً يحيف علينا وقد مضت قصتهما في سورة النساء، وقال الضحاك : نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض فتقاسما فوقع إلى علي منها ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة، فقال المغيرة بعني أرضك فباعها إياه وتقابضا فقيل للمغيرة أخذت سبخة لا ينالها الماء. فقال لعلي اقبض أرضك فإنما اشتريتها إن رضيتها ولم أرضها فلا ينالها الماء فقال علي بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها لا أقبلها منك، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال المغيرة أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي فنزلت هذه الآية، وقال الحسن نزلت هذه الآية في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر.
المسألة الثانية : قوله :﴿مُّسْتَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا﴾ إلى قوله :﴿وَمَآ أولئك بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ يدل على أن الإيمان لا يكون بالقول إذ لو كان به لما صح أن ينفي كونهم مؤمنين. وقد فعلوا ما هو إيمان في الحقيقة، فإن قيل إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون آمنا، ثم حكى عن فريق منهم التولي / فكيف يصح أن يقول في جميعهم ﴿وَمَآ أولئك بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ مع أن الذي تولى منهم هو البعض ؟
قلنا إن قوله :﴿وَمَآ أولئك بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى، وأيضاً فلو رجع إلى الأول يصح ويكون معنى قوله :﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ أي يرجع هذا الفريق إلى الباقين منهم فيظهر بعضهم لبعض الرجوع عما أظهروه، ثم بين سبحانه أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وهذا ترك للرضا بحكم الرسول، ونبه بقوله تعالى :﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا الحق لغيرهم أوشكوا فأما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا عن الإعراض بل سارعوا إلى الحكم وأذعنوا ببذل الرضا، وفي ذلك دلالة على أنه ليس بهم اتباع الحق، وإنما يريدون النفع المعجل، وذلك أيضاً نفاق.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٠٦


الصفحة التالية
Icon