أما قوله :﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَالِكَ﴾ أي جحد حق هذه النعم ﴿فَ أولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ أي العاصون.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤١٥
أما قوله :﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ فلقائل أن يقول أين القسم المتلقى باللام والنون في ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾، قلنا : هو محذوف تقديره : وعدهم الله(وأقسم) ليستخلفنهم أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه قال اقسم الله ليستخلفنهم.
أما قوله :﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يعني ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ﴾ هارون ويوشع وداود وسليمان وتقدير النظم ليستخلفنهم استخلافاً كاستخلاف من قبلهم من هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وقرىء كما استخلف بضم التاء وكسر اللام، وقرىء بالفتح.
أما قوله تعالى :﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ﴾ فالمعنى أنه يثبت لهم دينهم الذي ارتضى لهم وهو الإسلام، وقرأ ابن كثير وعاصم ويعقوب ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم﴾ ومن الإبدال بالتخفيف والباقون بالتشديد، وقد ذكرنا الفرق بينهما في قوله تعالى :﴿بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ (النساء : ٥٦).
أما قوله :﴿يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـاًا ﴾ ففيه دلالة على أن الذين عناهم لا يتغيرون عن عبادة الله تعالى إلى الشرك. وقال الزجاج يجوز أن يكون في موضع الحال على معنى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات في حال عبادتهم وإخلاصهم لله ليفعلن بهم كيت وكيت ويجوز أن يكون استئنافاً على طريق الثناء عليهم.
أما قوله :﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَالِكَ﴾ أي جحد حق هذه النعم ﴿فَ أولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ أي العاصون.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤١٥
٤٢٠
أما تفسير إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولفظة لعل ولفظة الرحمة، فالكل قد تقدم مراراً.
وأما قوله :﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِى الارْضِ ﴾ فالمعنى لا تحسبن يا محمد الذين كفروا سابقين فائقين حتى يعجزونني عن إدراكهم. وقرىء ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ﴾ بالياء المعجمة من تحتها، وفيه أوجه : أحدها : أن يكون معجزين في الأرض هما المفعولان، والمعنى لا يحسبن الذين / كفروا أحداً يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا هم في مثل ذلك وثانيها : أن يكون فيه ضمير الرسول صلى الله عليه وسلّم لتقدم ذكره في قوله :﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ (النور : ٥٤) والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا معجزين وثالثها : أن يكون الأصل ولا يحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول.
وأما قوله :﴿وَمَأْوَاـاهُمُ النَّارُا وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ فقال صاحب (الكشاف) : النظم لا يحتمل أن يكون متصلاً بقوله :﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ لأن ذلك نفي وهذا إيجاب، فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله تقديره لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض بل هم مقهورون ومأواهم النار.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٠
٤٢٣
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال القاضي : قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَـاْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ وإن كان ظاهره الرجال فالمراد به الرجال والنساء لأن التذكير يغلب على التأنيث فإذا لم يميز فيدخل تحت قوله :﴿الْمَصِيرُ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَـاْذِنكُمُ﴾ الكل ويبين ذلك قوله تعالى :﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ لأن ذلك يقال في الرجال والنساء والأولى عندي أن الحكم ثابت في النساء بقياس جلي، وذلك لأن النساء في باب حفظ العورة أشد حالاً من الرجال، فهذا الحكم لما ثبت في الرجال فثبوته في النساء بطريق الأولى، كما أنا نثبت حرمة الضرب بالقياس الجلي على حرمة التأفيف.


الصفحة التالية
Icon