المسألة الثالثة : الآية تدل على أن ظاهر الأمر للوجوب، ووجه الاستدلال به أن نقول : تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر ومخالف الأمر مستحق للعقاب فتارك المأمور به مستحق للعقاب ولا معنى للوجوب إلا ذلك، إنما قلنا إن تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر، لأن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه، والمخالفة ضد الموافقة فكانت مخالفة الأمر عبارة عن الإخلال بمقتضاه فثبت أن تارك المأمور به مخالف، وإنما قلنا إن مخالف الأمر مستحق للعقاب لقوله تعالى :﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فأمر مخالف هذا الأمر بالحذر عن العقاب، والأمر بالحذر عن العقاب إنما يكون بعد قيام المقتضى لنزول العقاب، فثبت أن مخالف أمر الله تعالى أو أمر رسوله قد وجد في حقه ما يقتضي نزول العذاب، فإن قيل لا نسلم أن تارك المأمور به مخالف للأمر قوله موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه ومخالفته عبارة عن الإخلال بمقتضاه/ قلنا لا نسلم أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه، فما الدليل عليه ؟
ثم / إنا نفسر موافقة الأمر بتفسيرين أحدهما : أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الذي يقتضيه الأمر فإن الأمر لو اقتضاه على سبيل الندب، وأنت تأتي به على سبيل الوجوب كان ذلك مخالفة للأمر الثاني : أن موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقاً واجب القبول فمخالفته تكون عبارة عن إنكار كونه حقاً واجب القبول، سلمنا أن ما ذكرته يدل على أن مخالفة الأمر عبارة عن ترك مقتضاه لكنه معارض بوجوه أخر، وهو أنه لو كان ترك المأمور به مخالفة للأمر لكان ترك المندوب لا محالة مخالفة لأمر الله تعالى، وذلك باطل وإلا لاستحق العقاب على ما بينتموه في المقدمة الثانية، سلمنا أن تارك المأمور به مخالف للأمر فلم قلت إن مخالف الأمر مستحق للعقاب لقوله تعالى :﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه ﴾ ؟
قلنا لا نسلم أن هذه الآية دالة على أمر من يكون مخالفاً للأمر بالحذر بل هي دالة على الأمر بالحذر عن مخالفة الأمر، فلم لا يجوز أن يكون كذلك ؟
سلمنا ذلك لكنها دالة على أن المخالف عن الأمر يلزمه الحذر، فلم قلت إن مخالف الأمر لا يلزمه الحذر ؟
فإن قلت لفظة (عن) صلة زائدة فنقول الأصل في الكلام لا سيما في كلام الله تعالى أن لا يكون زائداً، سلمنا دلالة الآية على أن مخالف أمر الله تعالى مأمور بالحذر عن العذاب، فلم قلت إنه يجب عليه الحذر عن العذاب ؟
أقصى ما في الباب أنه ورد الأمر به لكن لم قلت إن الأمر للوجوب ؟
وهذا أول المسألة، فإن قلت هب أنه لا يدل على وجوب الحذر لكن لا بد وأن يدل على حسن الحذر، وحسن الحذر إنما يكون بعد قيام المقتضي لنزول العذاب قلت : لا نسلم أن حسن الحذر مشروط بقيام المقتضي لنزول العذاب بل الحذر يحسن عند احتمال نزول العذاب ولهذا يحسن الاحتياط وعندنا مجرد الاحتمال قائم لأن هذه المسألة احتمالية لا قطعية، سلمنا دلالة الآية على وجود ما يقتضي نزول العقاب، لكن لا في كل أمر بل في أمر واحد لأن قوله
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٨


الصفحة التالية
Icon