المسألة الرابعة : كما بينا أن الظالم غير مخصوص بشخص واحد بل يعم جميع الظلمة فكذا المراد بقوله فلاناً ليس شخصاً واحداً بل كل من أطيع في معصية الله، واستشهد القفال بقوله :﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّه ظَهِيرًا﴾ (الفرقان : ٥٥)، ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَـالَيْتَنِى كُنتُ تُرَابَا ﴾ (النبأ : ٤٠) يعني به جماعة الكفار.
المسألة الخامسة : قرىء بالياء وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها : تعالى فهذا أوانك، وإنما قلبت الياء ألفاً كما في صحارى و(عذارى).
المسألة السادسة : قوله :﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ﴾ أي عن ذكر الله أو القرآن وموعظة الرسول ويجوز أن يريد نطقه بشهادة الحق (وغيرته) على الإسلام والشيطان إشارة إلى خليله سماه شيطاناً لأنه أضله كما يضل الشيطان ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة، أو أراد إبليس فإنه هو الذي حمله على أن صار خليلاً لذلك المضل ومخالفة الرسول ثم خذله أو أراد الجنس وكل من تشيطن من الجن والإنس، ويحتمل أن يكون ﴿وَكَانَ الشَّيْطَـانُ﴾ حكاية كلام الظالم وأن يكون كلام الله.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٥٦
٤٥٨
اعلم أن الكفار لما أكثروا من الاعتراضات الفاسدة ووجوه التعنت ضاق صدر الرسول صلى الله عليه وسلّم وشكاهم إلى الله تعالى وقال :﴿الرَّسُولُ يَـارَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أكثر المفسرين أنه قول واقع من الرسول صلى الله عليه وسلّم وقال أبو مسلم بل المراد أن الرسول عليه السلام يقوله في الآخرة وهو كقوله :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةا بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـا ؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء : ٤١) والأول أولى لأنه موافق للفظ ولأن ما ذكره الله تعالى من قوله :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ (الفرقان : ٣١) تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم ولا يليق إلا إذا كان وقع ذلك القول منه.
المسألة الثانية : ذكروا في المهجور قولين : الأول : أنه من الهجران أي تركوا الإيمان به ولم يقبلوه وأعرضوا عن استماعه الثاني : أنه من أهجر أي مهجورا فيه ثم حذف الجار ويؤكده قوله تعالى :﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِه سَـامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ (المؤمنون : ٦٧) ثم هجرهم فيه أنهم كانوا يقولون إنه سحر وشعر وكذب وهجر أي هذيان، وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"من تعلم القرآن (وعلمه) وعلق مصحفاً لم يتعهده ولم ينطر فيه جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجوراً، اقض بيني وبينه" ثم إنه تعالى قال مسلياً لرسوله عليه الصلاة والسلام ومعزياً له ﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ وبين بذلك أن له أسوة بسائر الرسل، فليصبر على ما يلقاه من قومه كما صبروا ثم فيه مسائل :
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٥٨
المسألة الأولى : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر لأن قوله تعالى :﴿جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا﴾ يدل على أن تلك العداوة من جعل الله ولا شك أن تلك العداوة كفر قال الجبائي : المراد من الجعل التبيين، فإنه تعالى لما بين أنهم أعداؤه، جاز أن يقول : جعلناهم أعداءه، كما إذا بين الرجل أن فلاناً لص يقال جعله لصاً كما يقال في الحاكم عدل فلاناً وفسق فلاناً وجرحه، قال الكعبي : إنه تعالى لما أمر الأنبياء بعداوة الكفار وعداوتهم للكفار تقتضي عداوة الكفار لهم، فلهذا جاز أن يقول :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ لأنه سبحانه هو الذي حمله ودعاه إلى ما استعقب تلك العداوة، وقال أبو مسلم : يحتمل في العدو أنه البعيد لا القريب إذ المعاداة المباعدة كما أن النصر القرب والمظاهرة، وقد باعد الله تعالى بين المؤمنين والكافرين والجواب عن الأول : أن التبيين لا يسمونه ألبتة جعلاً لأن من بين لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال إنه جعل الصانع وجعل قدمه والجواب عن الثاني : أن الذي أمره الله تعالى به هل له تأثير في وقوع العداوة في قلوبهم أو ليس له تأثير ؟
فإن كان الأول فقد تم الكلام لأن عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلّم كفر فإذا أمر الله الرسول بما له أثر في تلك العداوة فقد أمره بما له أثر في وقوع الكفر وإن لم يكن فيه تأثير ألبتة كان منقطعاً عنه بالكلية فيمتنع إسناده إليه، وهذا هو الجواب عن قول أبي مسلم.


الصفحة التالية
Icon