المسألة الأولى : القوام قال ثعلب : القوام بالفتح العدل والاستقامة، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر، قال صاحب "الكشاف" : القوام العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما، ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء، وقرىء ﴿قَوَامًا﴾ بالكسر وهو ما يقام به الشيء، يقال أنت قوامنا، يعني ما يقام به الحاجة لا يفضل عنه ولا ينقص.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٥
المسألة الثانية : المنصوبان أعني ﴿بَيْنَ ذَالِكَ قَوَامًا﴾ جائز أن يكونا خبرين معاً، وأن يجعل بين ذلك لغواً وقواماً مستقراً، وأن يكون الظرف خبراً وقواماً حالاً مؤكدة، قال الفراء : وإن شئت جعلت ﴿بَيْنَ ذَالِكَ﴾ اسم كان، كما تقول كان دون هذا كافياً، تريد أقل من ذلك، فيكون معنى ﴿بَيْنَ ذَالِكَ﴾، أي كان الوسط من ذلك قواماً، أي عدلاً، وهذا التأويل ضعيف، لأن القوام هو الوسط فيصير التأويل، وكان الوسط وسطاً وهذا لغو.
الصفة السادسة
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٥
٤٨٦
اعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر أن من صفة عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل الزنا، ثم ذكر بعد ذلك حكم من يفعل هذه الأشياء من العقاب، ثم استثنى من جملتهم التائب، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : أنه تعالى قبل ذكر هذه الصفة نزه عباد الرحمن عن الأمور الخفيفة، فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل والزنا، أليس أنه لو كان الترتيب بالعكس منه كان أولى ؟
الجواب : أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون / متمسكاً بالشرك تديناً ومقدماً على قتل الموءودة تديناً وعلى الزنا تديناً، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن، حتى يضاف إلى ذلك كونه مجانباً لهذه الكبائر، وأجاب الحسن رحمه الله من وجه آخر فقال : المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار، كأنه قال : وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر وأنت تدعون ﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ وأنتم تقتلون الموءودة، ﴿وَلا يَزْنُونَ ﴾ وأنتم تزنون.
السؤال الثاني : ما معنى قوله :﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ ومعلوم أنه من يحل قتله لا يدخل في النفس المحرمة فكيف يصح هذا الاستثناء ؟
الجواب : المقتضى لحرمة القتل قائم أبداً، وجواز القتل إنما ثبت بالمعارض فقوله :﴿حَرَّمَ اللَّهُ﴾ إشارة إلى المقتضى وقوله ﴿إِلا بِالْحَقِّ﴾ إشارة إلى المعارض.
السؤال الثالث : بأي سبب يحل القتل ؟
الجواب : بالردة وبالزنا بعد الإحصان، وبالقتل قوداً على ما في الحديث، وقيل وبالمحاربة وبالبينة، وإن لم يكن لما شهدت به حقيقة.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٦
السؤال الرابع : منهم من فسر قوله :﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ بالردة فهل يصح ذلك ؟
الجواب : لفظ القتل عام فيتناول الكل. وعن ابن مسعود "قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟
قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت ثم أي ؟
قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت ثم أي ؟
قال أن تزني بحليلة جارك" فأنزل الله تصديقه.
السؤال الخامس : ما الأثام ؟
الجواب : فيه وجوه : أحدها : أن الأثام جزاء الإثم، بوزن الوبال والنكال وثانيها : وهو قول أبي مسلم : أن الأثام والإثم واحد، والمراد ههنا جزاء الأثام فأطلق اسم الشيء على جزائه وثالثها : قال الحسن : الأثام اسم من أسماء جهنم وقال مجاهد :﴿أَثَامًا﴾ واد في جهنم، (وقرأ ابن مسعود ﴿أَثَامًا﴾ أي شديداً، يقال يوم ذو أثام لليوم العصيب).
أما قوله :﴿يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَيَخْلُدْ فِيه مُهَانًا﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :﴿يُضَـاعَفْ﴾ بدل من ﴿يَلْقَ﴾ لأنهما في معنى واحد، وقرىء (يضعف) و(نضعف له العذاب) بالنون ونصب العذاب، وقرىء بالرفع على الاستئناف أو على الحال، وكذلك (يخلد) (وقرىء) (ويخلد) على البناء للمفعول مخففاً ومثقلاً من الإخلاد والتخليد/ وقرىء (وتخلد) بالتاء على الالتفات.
المسألة الثانية : سبب تضعيف العذاب أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعاً، فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع.


الصفحة التالية
Icon