﴿رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ على التثنية والمرجوع إليه مجموع ؟
جوابه أريد ما بين الجهتين، فإن قيل : ذكر السموات والأرض وما بينهما قد استوعب الخلائق كلهم، فما معنى ذكرهم وذكر آبائهم بعد ذلك وذكر المشرق والمغرب ؟
جوابه : قد عمم أولاً ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب الأشياء من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من انتقاله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته من حالة إلى / حالة أخرى/ ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها على تقدير مستقيم في فصول السنة من أظهر الدلائل السادس : فإن قيل لم قال :﴿لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ ولم يقل لأسجننك مع أنه أخصر ؟
جوابه : لأنه لو قال لأسجننك لا يفيد إلا صيرورته مسجوناً. أما قوله :﴿لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ فمعناه أني أجعلك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يريد أن يسجنه فيطرحه في بئر عميقة فرداً لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل السابع : الواو في قوله :﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾ واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام معناه أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين أي جائياً بالمعجزة.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٠٢
٥٠٢
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الأعمش :﴿بِكُلِّ سَـاحِرٍ عَلِيمٍ﴾.
المسألة الثانية : اعلم أن قوله :﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىْءٍ مُّبِينٍ﴾ (الشعراء : ٣٠) يدل على أن الله تعالى قبل أن ألقى العصا عرفه بأنه يصيرها ثعباناً، ولولا ذلك لما قال ما قال : فلما ألقى عصاه ظهر ما وعده الله به فصار ثعباناً مبيناً، والمراد أنه تبين للناظرين أنه ثعبان بحركاته وبسائر العلامات، روي أنه لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت، ويقول فرعون يا موسى أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فعادت عصا فإن قيل كيف قال ههنا :﴿ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ وفي آية أخرى :﴿فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ (طه : ٢٠) وفي آية ثالثة :﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ (القصص : ٣١) والجان مائل إلى الصغر والثعبان مائل إلى الكبر ؟
جوابه : أما الحية فهي اسم الجنس ثم إنها لكبرها صارت ثعباناً، وشبهها بالجان لخفتها وسرعتها فصح الكلامان، ويحتمل أنه شبهها بالشيطان لقوله تعالى :﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَـاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ (الحجر : ٢٧) ويحتمل أنها كانت أولاً صغيرة كالجان ثم عظمت / فصارت ثعباناً، ثم إن موسى عليه السلام لما أتى بهذه الآية قال له فرعون هل غيرها ؟
قال نعم فأراه يده ثم أدخلها جيبه ثم أخرجها فإذا هي بيضاء يضيء الوادي من شدة بياضها من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس، فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر فيها أموراً ثلاثة : أحدها : قوله :﴿إِنَّ هَـاذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ وذلك لأن الزمان كان زمان السحرة وكان عند كثير منهم أن الساحر قد يجوز أن ينتهي بسحره إلى هذا الحد فلهذا روج عليهم هذا القول وثانيها : قوله :
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٠٢
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِه ﴾ وهذا يجري مجرى التنفير عنه لئلا يقبلوا قوله، والمعنى يريد أن يخرجكم من أرضكم بما يلقيه بينكم من العداوات فيفرق جمعكم، ومعلوم أن مفارقة الوطن أصعب الأمور فنفرهم عنه بذلك، وهذا نهاية ما يفعله المبطل في التنفير عن المحق وثالثها : قوله لهم :﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ أي فما رأيكم فيه وما الذي أعمله، يظهر من نفسه أني متبع لرأيكم ومنقاد لقولكم، ومثل هذا الكلام يوجب جذب القلوب وانصرافها عن العدو فعند هذه الكلمات اتفقوا على جواب واحد وهو قوله :﴿أَرْجِهْ﴾ قرىء (أرجئه) و(أرجه) بالهمز والتخفيف، وهما لغتان يقال : أرجأته وأرجيته إذا أخرته، والمعنى أخره ومناظرته لوقت اجتماع السحرة، وقيل احبسه وذلك محتمل، لأنك إذا حبست الرجل عن حاجته فقد أخرته. روي أن فرعون أراد قتله ولم يكن يصل إليه، فقالوا له لا تفعل، فإنك إن قتلته أدخلت على الناس في أمره شبهة، ولكن أرجئه وأخاه إلى أن تحشر السحرة ليقاوموه فلا يثبت له عليك حجة، ثم أشاروا عليه بإنفاذ حاشرين يجمعون السحرة، ظناً منهم بأنهم إذا كثروا غلبوه وكشفوا حاله وعارضوا قوله :﴿إِنَّ هَـاذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ بقولهم :﴿بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ فجاءوا بكلمة الإحاطة وبصيغة المبالغة ليطيبوا قلبه وليسكنوا بعض قلقه، قال صاحب "الكشاف" فإن قلت : قوله تعالى :﴿قَالَ لِلْمَلا حَوْلَه ﴾ ما العامل في (حوله) ؟
قلت : هو منصوب نصبين نصب في اللفظ ونصب في المحل والعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف، والعامل في النصب المحلي هو النصب على الحال.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٠٢
٥٠٤
وفيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon