﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ قرىء ﴿بِالْقِسْطَاسِ﴾ مضموماً ومكسوراً وهو الميزان، وقيل القرسطون وثانيها : قوله تعالى :﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ﴾ يقال بخسه حقه إذا نقصه إياه وهذا عام في كل حق يثبت لأحد أن لا يهضم وفي كل ملك أن لا يغصب (علية) مالكه (ولا يتحيف منه)(١) ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفاً شرعياً وثالثها : قوله تعالى :﴿وَلا تَعْثَوْا فِى الارْضِ مُفْسِدِينَ﴾ يقال عثا في الأرض وعثى وعاث وذلك نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزرع، وكانوا يفعلون ذلك مع / توليتهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك ورابعها : قوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الاوَّلِينَ﴾ وقرىء (الجبلة) بوزن الأبلة وقرىء (الجبلة) بوزن الخلقة ومعناهن واحد أي ذوي الجبلة، والمراد أنه المتفضل بخلقهم وخلق من تقدمهم ممن لولا خلقهم لما كانوا مخلوقين، فلم يكن للقوم جواب إلا ما لو تركوه لكان أولى بهم وهو من وجهين : الأول : قولهم :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ ﴿مَآ أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ فإن قيل : هل اختلف المعنى بإدخال الواو ههنا وتركها في قصة ثمود ؟
جوابه : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان كلاهما مناف للرسالة عندهم السحر والبشرية وإذا تركت الواو فلم يقصدوا إلا معنى واحداً وهو كونه مسحراً ثم قرره بكونه بشراً مثلهم الثاني : قولهم :﴿وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ ومعناه ظاهر، ثم إن شعيباً عليه السلام كان يتوعدهم بالعذاب إن استمروا على التكذيب فقالوا :﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ قرىء ﴿كِسَفًا﴾ بالسكون والحركة وكلاهما جمع كسفة وهي القطعة والسماء السحاب أو الظلة، وهم إنما طلبوا ذلك لاستبعادهم وقوعه فظنوا أنه إذا لم يقع ظهر كذبه فعنده قال شعيب عليه السلام :﴿رَبِّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فلم يدع عليهم بل فوض الأمر فيه إلى الله تعالى فلما استمروا على التكذيب أنزل الله عليهم العذاب على ما اقترحوا من عذاب يوم الظلة إن أرادوا بالسماء السحاب، وإن أرادوا الظلة فقد خالف بهم عن مقترحهم يروى أنه حبس عنهم الريح سبعاً وسلط عليهم الرمل فأخذ بأنفاسهم، لا ينفعهم ظل ولا ماء فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها برداً ونسيماً فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا، وروي أن شعيباً بعث إلى أمتين أصحاب مدين وأصحاب الأيكة فأهلكت مدين بصيحة جبريل عليه السلام وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة، وههنا آخر الكلام في هذه القصص السبع التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلّم فيما ناله من الغم الشديد، بقي ههنا سؤالان :
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٣٣
السؤال الأول : لم لا يجوز أن يقال : إن العذاب النازل بعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ما كان ذلك بسبب كفرهم وعنادهم، بل كان ذلك بسبب قرانات الكواكب واتصالاتها على ما اتفق عليه أهل النجوم ؟
وإذا قام هذا الاحتمال لم يحصل الاعتبار بهذه القصص، لأن الاعتبار إنما يحصل أن لو علمنا أن نزول هذا العذاب كان بسبب كفرهم وعنادهم.


الصفحة التالية
Icon