واعلم أن التحقيق ما ذكره صاحب "الكشاف" وهو أن هذه اللام هي لام التعليل على سبيل المجاز، وذلك لأن مقصود الشيء وغرضه يؤول إليه أمره فاستعملوا هذه اللام فيما يؤول إليه الشيء على سبيل التشبيه، كإطلاق لفظ الأسد على الشجاع والبليد على الحمار، قرأ حمزة والكسائي (حزناً) بضم الحاء وسكون الزاي والباقون بالفتح وهما لغتان مثل السقم والسقم.
أما قوله : كانوا خاطئين ففيه وجهان : أحدهما : قال الحسن معنى ﴿كَانُوا خَـاطِاِينَ﴾ ليس من الخطيئة بل المعنى وهم لا يشعرون أنه الذي يذهب بملكهم، وأما جمهور المفسرين فقالوا معناه كانوا خاطئين فيما كانوا عليه من الكفر والظلم، فعاقبهم الله تعالى بأن ربي عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم، وقرىء تخفيف خاطئين أي خاطين الصواب إلى الخطأ وبين تعالى أنها التقطته ليكون قرة عين لها وله جميعاً، قال ابن إسحق إن الله تعالى ألقى محبته في قلبها لأنه كان في وجهه ملاحة كل من رآه أحبه، ولأنها حين فتحت التابوت رأت النور، ولأنها لما فتحت التابوت رأته يمتص إصبعه، ولأن ابنة فرعون لما لطخت برصها بريقه زال برصها ويقال ما كان لها ولد فأحبته، قال ابن عباس لما قالت :﴿فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ ﴾ فقال فرعون يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه، فقال عليه السلام "والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت لهداه الله تعالى كما هداها" قال صاحب "الكشاف" ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ﴾ خبر مبتدأ محذوف ولا يقوى أن يجعل مبتدأ ﴿وَلا تُقَـاتِلُوهُمْ﴾ خبراً ولو نصب لكان أقوى، وقراءة ابن مسعود دليل على أنه خبر، قرأ ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَا لا تَقْتُلُوهُ﴾، وذلك لتقديم لا تقتلوه، ثم قالت المرأة ﴿عَسَى ا أَن يَنفَعَنَآ﴾ فنصيب / منه خيراً ﴿أَوْ نَتَّخِذَه وَلَدًا﴾ لأنه أهل للتبني.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨٢
أما قوله :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ فأكثر المفسرين على أنه ابتداء كلام من الله تعالى أي لا يشعرون أن هلاكهم بسببه وعلى يده، وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل، وقال ابن عباس يريد لا يشعرون إلى ماذا يصير أمر موسى عليه السلام. وقال آخرون هذا من تمام كلام المرأة أي لا يشعر بنو إسرائيل وأهل مصر أن التقطناه، وهذا قول الكلبي.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨٢
٥٨٣
ذكروا في قوله :﴿فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ وجوهاً : أحدها : قال الحسن فارغاً من كل هم إلا من هم موسى عليه السلام وثانيها : قال أبو مسلم فراغ الفؤاد هو الخوف والإشفاق كقوله :﴿وَأَفْـاِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾ (إبراهيم : ٤٣)، وثالثها : قال صاحب "الكشاف" فارغاً صفراً من العقل، والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والخوف ورابعها : قال الحسن ومحمد بن إسحق فارغاً من الوحي الذي أوحينا إليها أن ألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك فجاءها الشيطان فقال لها كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجر فتوليت إهلاكه، ولما أتاها خبر موسى عليه السلام أنه وقع في يد فرعون فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها، وخامسها : قال أبو عبيدة : فارغاً من الحزن لعلمها بأنه لا يقتل اعتماداً على تكفل الله بمصلحته قال ابن قتيبة : وهذا من العجائب كيف يكون فؤادها فارغاً من الحزن والله تعالى يقول :﴿لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون، ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يمتنع أنها لشدة ثقتها بوعد الله لم تخف عند إظهار اسمه، وأيقنت أنها وإن أظهرت فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار يضر فربط الله على قلبها، ويحتمل قوله :﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِه لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ بالوحي فأمنت وزال عن قلبها الحزن، فعلى هذا الوجه يصح أن يتأول على أن قلبها سلم من الحزن على موسى أصلاً، وفيه وجه ثالث : وهو أنها سمعت أن امرأة فرعون عطفت عليه وتبنته إن كادت لتبدي به بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً بما سمعت، لولا أن سكنا ما بها من شدة الفرح والابتهاج ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الواثقين / بوعد الله تعالى لا يتبنى امرأة فرعون اللعين وبعطفها، وقرىء (قرعاً) أي خالياً من قولهم أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء وفرغاً من قولهم : دماؤهم بينهم فرغ أي هدر يعني بطل قلبها من شدة ما ورد عليها.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨٣


الصفحة التالية
Icon