جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨٧
المسألة الثالثة : قال تعالى :﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَـاذَا مِن شِيعَتِه وَهَـاذَا مِنْ عَدُوِّه ﴾ قال الزجاج : قال : هذا وهذا وهما غائبان على وجه الحكاية، أي وجد فيها رجلين يقتتلان، إذا نظر الناظر إليهما قال هذا من شيعته وهذا من عدوه، ثم اختلفوا فقال مقاتل : الرجلان كانا كافرين، إلا أن أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من القبط، واحتج عليه بأن موسى عليه السلام قال له في اليوم الثاني ﴿إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ﴾ (القصص : ١٨) والمشهور أن الذي من شيعته كان مسلماً، لأنه لا يقال فيمن يخالف الرجل في دينه وطريقه : إنه من شيعته، وقيل إن القبطي الذي سخر الإسرائيلي كان / طباخ فرعون، استسخره لحمل الحطب إلى مطبخه، وقيل الرجلان المقتتلان : أحدهما السامري وهو الذي من شيعته، والآخر طباخ فرعون والله أعلم بكيفية الحال، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، أي سأله أن يخلصه منه واستنصره عليه، فوكزه موسى عليه السلام، الوكز الدفع بأطراف الأصابع، وقيل بجمع الكف. وقرأ ابن مسعود :(فلكزه موسى)، وقال بعضهم : الوكز في الصدر واللكز في الظهر، وكان عليه السلام شديد البطش، وقال بعض المفسرين : فوكزه بعصاه، قال المفضل هذا غلط، لأنه لا يقال وكزه بالعصا ﴿فَقَضَى عَلَيْه ﴾ أي أماته وقتله.
المسألة الرابعة : احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء عليه السلام من وجوه : أحدها : أن ذلك القبطي إما أن يقال إنه كان مستحق القتل أو لم يكن كذلك، فإن كان الأول فلم قال :﴿هَـاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ ﴾ ولم قال :﴿رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَه ا ﴾ ولم قال في سورة أخرى ﴿فَعَلْتُهَآ إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّآلِّينَ﴾ (الشعراء : ٢٠) ؟
وإن كان الثاني وهو أن ذلك القبطي لم يكن مستحق القتل كان قتله معصية وذنباً وثانيها : أن قوله :﴿وَهَـاذَا مِنْ عَدُوِّه ﴾ يدل على أنه كان كافراً حربياً فكان دمه مباحاً فلم استغفر عنه، والاستغفار عن الفعل المباح غير جائز، لأنه يوهم في المباح كونه حراماً ؟
وثالثها : أن الوكز لا يقصد به القتل ظاهراً، فكان ذلك القتل قتل خطأ، فلم استغفر منه ؟
والجواب : عن الأول لم لا يجوز أن يقال إنه كان لكفره مباح الدم.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨٧
أما قوله :﴿هَـاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ ﴾ ففيه وجوه : أحدها : لعل الله تعالى وإن أباح قتل الكافر إلا أنه قال الأولى تأخير قتلهم إلى زمان آخر، فلما قتل فقد ترك ذلك المندوب فقوله :﴿هَـاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ ﴾ معناه إقدامي على ترك المندوب من عمل الشيطان وثانيها : أن قوله (هذا) إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه فقوله :﴿هَـاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ ﴾ أي عمل هذا المقتول من عمل الشيطان، المراد منه بيان كونه مخالفاً لله تعالى مستحقاً للقتل وثالثها : أن يكون قوله (هذا) إشارة إلى المقتول، يعني أنه من جند الشيطان وحزبه، يقال فلان من عمل الشيطان، أي من أحزابه.
أما قوله :﴿رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى﴾ فعلى نهج قول آدم عليه السلام :﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ (الأعراف : ٢٣) والمراد أحد وجهين، إما على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه، وإن لم يكن هناك ذنب قط، أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب.
أما قوله :﴿فَاغْفِرْ لِى﴾ أي فاغفر لي ترك هذا المندوب، وفيه وجه آخر، وهو أن يكون المراد رب إني ظلمت نفسي حيث قتلت هذا الملعون، فإن فرعون لو عرف ذلك لقتلني به ﴿فَاغْفِرْ لِى﴾ أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون ﴿فَغَفَرَ لَه ا ﴾ أي ستره عن الوصول إلى فرعون، ويدل على هذا التأويل أنه على عقبه قال :﴿رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ ولو كانت إعانة المؤمن ههنا سبباً للمعصية لما قال ذلك.


الصفحة التالية
Icon