جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٩٢
واعلم أن الجبار الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن وقيل المتعظم الذي لا يتواضع لأمر أحد، ولما وقعت هذه الواقعة انتشر الحديث في المدينة وانتهى إلى فرعون وهموا بقتله.
أما قوله :﴿وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى ﴾ قال صاحب "الكشاف" يسعى يجوز ارتفاعه وصفاً لرجل، وانتصابه حالاً عنه، لأنه قد تخصص بقوله :﴿مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ﴾ والائتمار التشاور يقال الرجلان (يتآمران) يأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر والمعنى يتشاورون بسببك. وأكثر المفسرين على أن هذا الرجل مؤمن آل فرعون، فعلى وجه الإشفاق أسرع إليه ليخوفه بأن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك.
أما قوله :﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَآاـاِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ أي خائفاً على نفسه من آل فرعون ينتظر هل يلحقه طلب فيؤخذ/ ثم التجأ إلى الله تعالى لعلمه بأنه لا ملجأ سواه فقال :﴿رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ وهذا يدل على أن قتله لذلك القبطي لم يكن ذنباً، وإلا لكان هو الظالم لهم وما كانوا ظالمين له بسبب طلبهم إياه ليقتلوه قصاصاً.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٩٢
٥٩٦
اعلم أن الناس اختلفوا في قوله :﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ فال بعضهم إنه خرج وما قصد مدين ولكنه سلم نفسه إلى الله تعالى وأخذ يمشي من غير معرفة فأوصله الله تعالى إلى مدين، وهذا قول ابن عباس، وقال آخرون لما خرج قصد مدين لأنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم عليه السلام، وهو كان من بني إسرائيل لكن لم يكن له علم بالطريق بل اعتمد على فضل الله تعالى، ومن الناس من قال بل جاءه جبريل عليه السلام، وعلمه الطريق وذكر ابن جرير عن السدي لما أخذ موسى عليه السلام في المسير جاءه ملك على فرس فسجد له موسى من الفرح، فقال لا تفعل واتبعني فاتبعه نحو مدين، واحتج من قال إنه خرج وما قصد مدين بأمرين : أحدهما : قوله :﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ ولو كان قاصداً للذهاب إلى مدين لقال، ولما توجه إلى مدين فلما لم يقل ذلك بل قال :﴿تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ علمنا أنه لم يتوجه إلا إلى ذلك الجانب من غير أن يعلم أن ذلك الجانب إلى أين ينتهي والثاني : قوله :﴿عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ وهذا كلام شاك لا عالم والأقرب أن يقال إنه قصد الذهاب إلى مدين وما كان عالماً بالطريق. ثم إنه كان يسأل الناس عن كيفية الطريق لأنه يبعد من موسى عليه السلام في عقله وذكائه أن لا يسأل، ثم قال ابن إسحاق خرج من مصر إلى مدين بغير زاد ولا ظهر، وبينهما مسيرة ثمانية أيام ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٩٦


الصفحة التالية
Icon