السؤال الأول : الجانب موصوف، والغربي صفة، فكيف أضاف الموصوف إلى الصفة ؟
الجواب : هذه مسألة خلافية بين النحويين، فعند البصريين لا يجوز إضافة الموصوف إلى الصفة إلا بشرط خاص سنذكره، وعند الكوفيين يجوز ذلك مطلقاً حجة البصريين، أن إضافة الموصوف إلى الصفة تقتضي إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا غير جائز فذاك أيضاً غير جائز، بيان الملازمة أنك إذا قلت جاءني زيد الظريف، فلفظ الظريف يدل على شيء معين في نفسه مجهول بحسب هذا اللفظ حصلت له الظرافة، فإذا نصصت على زيد عرفنا أن ذلك الشيء الذي حصلت له الظرافة هو زيد، إذا ثبت هذا، فلو أضفت زيداً إلى الظريف، كنت قد أضفت زيداً إلى زيد، وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة، فإضافة الموصوف إلى صفته وجب أن لا تجوز، إلا أنه جاء على خلاف هذه القاعدة ألفاظ، وهي قوله تعالى في هذه الآية :﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ﴾ وقوله :﴿وَذَالِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة : ٥) وقوله :﴿حَقُّ الْيَقِينِ﴾ (الواقعة : ٩٥) ﴿وَلَدَارُ الاخِرَةِ﴾ (النحل : ٣٠) ويقال صلاة الأولى ومسجد الجامع وبقلة الحمقاء، فقالوا التأويل فيه جانب المكان الغربي ودين الملة القيمة وحق الشيء اليقين ودار الساعة الآخرة وصلاة الساعة الأولى ومسجد المكان الجامع وبقلة الحبة الحمقاء، ثم قالوا في هذه المواضع : المضاف إليه ليس هو النعت، بل المنعوت، إلا أنه حذف المنعوت وأقيم النعت مقامه فههنا ينظر إن كان ذلك النعت كالمتعين لذلك المنعوت، حسن ذلك وإلا فلا، ألا ترى أنه ليس لك أن تقول عندي جيد على معنى عندي درهم جيد، ويجوز مررت بالفقيه على معنى مررت بالرجل الفقيه، لأن الفقيه يعلم أنه لا يكون إلا من الناس والجيد قد يكون درهماً وقد يكون غيره، وإذا كان كذلك حسن قوله جانب الغربي، لأن الشيء الموصوف بالغربي الذي يضاف إليه الجانب لا يكون إلا مكاناً أو ما يشبهه، فلا جرم حسنت هذه الإضافة، وكذا القول في البواقي والله أعلم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٥
السؤال الثاني : ما معنى قوله :﴿إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الامْرَ﴾ ؟
الجواب : الجانب الغربي هو المكان الواقع في شق الغرب، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام من الطور، وكتب الله (له) في الألواح والأمر المقضي إلى موسى عليه السلام الوحي الذي أوحى إليه، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم يقول : وما كنت حاضراً المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى عليه السلام، ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على (الموحى) إليه، (وهي لأن الشاهد لا بد وأن يكون حاضراً)، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات.
السؤال الثالث : لما قال ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ﴾ ثبت أنه لم يكن شاهداً، لأن الشاهد لا بد أن يكون حاضراً، فما الفائدة في إعادة قوله :﴿وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّـاهِدِينَ﴾ ؟
الجواب : قال ابن عباس رضي الله عنهما : التقدير لم تحضر ذلك الموضع، ولو حضرت فما شاهدت تلك الوقائع، فإنه يجوز أن يكون هناك، ولا يشهد ولا يرى.
السؤال الرابع : كيف يتصل قوله :﴿وَلَـاكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُونًا﴾ بهذا الكلام ومن أي وجه يكون استدراكاً له ؟
الجواب : معنى الآية : ولكنا أنشأنا بعد عهد موسى عليه السلام إلى عهدك قروناً كثيرة فتطاول عليهم العمر وهو القرن الذي أنت فيه، فاندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وعرفناك أحوال الأنبياء وأحوال موسى، فالحاصل كأنه قال وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب، فإذن هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده. واعلم أن هذا تنبيه على المعجز كأنه قال إن في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله، دلالة ظاهرة على نبوتك كما قال :﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الاولَى ﴾ (طه : ١٣٣).
أما قوله :﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِى أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ فالمعنى ما كنت مقيماً فيه.
وأما قوله :﴿تَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـاتِنَا﴾ ففيه وجهان : الأول : قال مقاتل : يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم ﴿وَلَـاكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها الثاني : قال الضحاك : يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين تتلو عليهم الكتاب وإنما كان غيرك ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولاً، فأرسلنا إلى أهل مدين شعيباً وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٥


الصفحة التالية
Icon