ثم قال تعالى :﴿ثُمَّ كَانَ عَـاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَـا ـاُوا السُّواأَى ا أَن كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ﴾ / كما قال :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ (يونس : ٢٦) وقوله تعالى :﴿أَن كَذَّبُوا ﴾ قيل معناه بأن كذبوا أي كان عاقبتهم ذلك بسبب أنهم كذبوا، وقيل معناه أساءوا وكذبوا فكذبوا يكون تفسيراً لأساؤا وفي هذه الآية لطائف إحداها : قال في حق الذين أحسنوا :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ وقال في حق من أساء :﴿ثُمَّ كَانَ عَـاقِبَةَ الَّذِينَ﴾ إشارة إلى أن الجنة لهم من ابتداء الأمر فإن الحسنى اسم الجنة والسوآى اسم النار، فإذا كانت الجنة لهم ومن الابتداء، ومن له شيء كلما يزداد وينمو فيه فهو له، لأن ملك الأصل يوجب ملك الثمرة، فالجنة من حيث خلقت تربو وتنمو للمحسنين، وأما الذين أساؤا، فالسوآى وهي جهنم في العاقبة مصيرهم إليها الثانية : ذكر الزيادة في حق المحسن ولم يذكر الزيادة في حق المسيء لأن جزاء سيئة سيئة مثلها الثالثة : لم يذكر في المحسن أن له الحسنى بأنه صدق، وذكر في المسيىء أن له السوأى بأنه كذب، لأن الحسنى للمحسنين فضل والمتفضل لو لم يكن تفضله لسبب يكون أبلغ، وأما السوآى للمسيىء عدل والعادل إذا لم يكن تعذيبه لسبب لا يكون عدلاً فذكر السبب في التعذيب وهو الإصرار على التكذيب، ولم يذكر السبب في الثواب.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٥
٨٥
لما ذكر أن عاقبتهم إلى الجحيم وكان في ذلك إشارة إلى الإعادة والحشر لم يتركه دعوى بلا بينة فقال يبدأ الخلق، يعني من خلق بالقدرة والإرادة لا يعجز عن الرجعة والإعادة فإليه ترجعون، ثم بين ما يكون وقت الرجوع إليه فقال :
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٥
٨٥
في ذلك اليوم يتبين إفلاسهم ويتحقق إبلاسهم، والإبلاس يأس مع حيرة، يعني يوم تقوم الساعة يكون للمجرم يأس محير لا يأس هو إحدى الراحتين، وهذا لأن الطمع إذا انقطع باليأس فإذا كان المرجو أمراً غير ضروري يستريح الطامع من الانتظار وإن كان ضرورياً بالإبقاء له بوونه ينفطر فؤاده أشد انفطار، ومثل هذا اليأس هو الإبلاس ولنبين حال المجرم وإبلاسه بمثال، وهو أن نقول مثله مثل من يكون في بستان وحواليه الملاعب والملاهي، ولديه ما يفتخر به ويباهي، فيخبره صادق بمجيء عدو لا يرده راد، ولا يصده صاد، إذا جاءه لا يبلعه ريقاً، ولا يترك له إلى الخلاص طريقاً، فيتحتم عليه الاشتغال بسلوك طريق الخلاص فيقول له طفل أو / مجنون إن هذه الشجرة التي أنت تحتها لها من الخواص دفع الأعادي عمن يكون تحتها، فيقبل ذلك الغافل على استيفائه ملاذه معتمداً على الشجرة بقول ذلك الصبي فيجيئه العدو ويحيط به، فأول ما يريه من الأهوال قلع تلك الشجرة فيبقى متحيراً آيساً، مفتقراً، فكذلك المجرم في دار الدنيا أقبل على استيفاء اللذات وأخبره النبي الصادق بأن الله يجزيه، ويأتيه عذاب يخزيه، فقال له الشيطان والنفس الأمارة بالسوء إن هذه الأخشاب التي هي الأوثان دافعة عنك كل بأس، وشافعة لك عند خمود الحواس، فاشتغل بما هو فيه واستمر على غيه حتى إذا جاءته الطامة الكبرى فأول ما أرته إلقاء الأصنام في النار فلا يجد إلى الخلاص من طريق، ويحق عليه عذاب الحريق، فييأس حينئذٍ أي إياس ويبلس أشد إبلاس. وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآاـاِهِمْ شُفَعَـا ؤا وَكَانُوا بِشُرَكَآاـاِهِمْ كَـافِرِينَ﴾ (الروم : ١٣) يعني يكفرون بهم ذلك اليوم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٥
٨٥
ثم بين أمراً آخر يكون في ذلك اليوم وهو الافتراق كما قال تعالى في آية أخرى :﴿وَامْتَـازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ فكأن هذه الحالة مترتبة على الإبلاس، فكأنه أولاً يبلس ثم يميز ويجعل فريق في الجنة وفريق في السعير، وأعاد قوله :﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ لأن قيام الساعة أمر هائل فكرره تأكيداً للتخويف، ومنه اعتاد الخطباء تكرير يوم القيامة في الخطب لتذكير أهواله.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٥
٨٩
ثم بين كيفية التفرق فقال تعالى :﴿فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ أي في جنة يسرون بكل مسرة.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٩
٩١
يعني لا غيبة لهم عنه ولا فتور له عندهم كما قال تعالى :﴿كُلَّمَآ أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾ وقال :﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ (آل عمران : ٨٨) وفي الآيتين مسائل فيها لطائف :


الصفحة التالية
Icon