المسألة الرابعة : ما تعلق قوله تعالى :﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ بما تقدم ؟
نقول لما كان الليل والنهار محل الأفعال بين أن ما يقع في هذين الزمانين اللذين هما بتصرف الله لا يخفى على الله.
المسألة الخامسة : قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلّم وعليه الأكثرون، وكأنه ترك الخطاب مع غيره، لأن من هو غيره من الكفار لا فائدة للخطاب معهم لإصرارهم، ومن هو غيره من المؤمنين فهم مؤتمرون بأمر النبي عليه الصلاة والسلام ناظرون إليه الوجه الثاني : أن يقال المراد منه الوعظ والواعظ يخاطب ولا يعين أحداً فيقول لجمع عظيم : يا مسكين إلى الله مصيرك، فمن نصيرك، ولماذا تقصيرك. فقوله :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يكون خطاباً من ذلك القبيل أي يا أيها الغافل ألم تر هذا الأمر الواضح.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٣١
١٣٢
ولما ذكر تعالى أوصاف الكمال بقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾ (لقمان : ٢٦) وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة : ٢٢٠) وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ﴾ (المجادلة : ١) وأشار إلى الإرادة والكمال بقوله :﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّه ﴾ (لقمان : ٢٧) وبقوله :﴿يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ﴾ وعلى الجملة فقوله :﴿هُوَ الْغَنِىُّ﴾ إشارة إلى كل صفة سلبية فإنه إذا كان غنياً لا يكون عرضاً محتاجاً إلى الجوهر في القوام، ولا جسماً محتاجاً إلى الحيز في الدوام، ولا شيئاً من / الممكنات المحتاجة إلى الموجد، وذكر بعده جميع الأوصاف الثبوتية صريحاً وتضمناً، فإن الحياة في ضمن العلم والقدرة قال ذلك بأن الله هو الحق أي ذلك الاتصاف بأنه هو الحق والحق هو الثبوت والثابت الله وهو الثابت المطلق الذي لا زوال له وهو الثبوت، فإن المذهب الصحيح أن وجوده غير حقيقته فكل ما عداه فله زوال نظراً إليه والله له الثبوت والوجود نظراً إليه فهو الحق وما عداه الباطل لأن الباطل هو الزائل يقال بطل ظله إذا زال وإذا كان له الثبوت من كل وجه يكون تاماً لا نقص فيه.
ثم اعلم أن الحكماء قالوا الله تام وفوق التمام وجعلوا الأشياء على أربعة أقسام ناقص ومكتف وتام وفوق التمام (فالناقص) ما ليس له ما ينبغي أن يكون له كالصبي والمريض والأعمى (والمكتفي) وهو الذي أعطى ما يدفع به حاجته في وقته كالإنسان والحيوان الذي له من الآلات ما يدفع به حاجته في وقتها لكنها في التحلل والزوال (والتام) ما حصل له كل ما جاز له، وإن لم يحتج إليه كالملائكة المقربين لهم درجات لا تزداد ولا ينقص الله منها لهم شيئاً كما قال جبريل عليه السلام "لو دنوت أنملة لاحترقت" لقوله تعالى :﴿وَمَا مِنَّآ إِلا لَه مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ (الصافات : ١٦٤) (وفوق التمام) هو الذي حصل له ما جاز له وحصل لما عداه ما جاز له أو احتاج إليه لكن الله تعالى حاصل له كل ما يجوز له من صفات الكمال ونعوت الجلال، فهو تام وحصل لغيره كل ما جاز له أو احتاج إليه فهو فوق التمام إذا ثبت هذا فنقول قوله :﴿هُوَ الْحَقُّ﴾ إشارة إلى التمام وقوله :﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ﴾ أي فوق التمام وقوله :﴿وَهُوَ الْعَلِىُّ﴾ أي في صفاته وقوله :﴿الْكَبِيرُ﴾ أي في ذاته وذلك ينافي أن يكون جسماً في مكان لأنه يكون حينئذ جسداً مقدراً بمقدار فيمكن فرض ما هو أكبر منه فيكون صغيراً بالنسبة إلى المفروض لكنه كبير من مطلقاً أكبر من كل ما يتصور.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٣٢
١٣٣
ثم قال تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ ءَايَـاتِه ﴾ لما ذكر آية سماوية بقوله :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ (لقمان : ٢٩) وأشار إلى السبب والمسبب ذكر آية أرضية، وأشار إلى السبب والمسبب فقوله :﴿الْفُلْكَ تَجْرِى﴾ إشارة إلى المسبب وقوله :﴿بِنِعْمَتِ اللَّهِ﴾ إشارة إلى السبب أي إلى الريح التي هي بأمر الله ﴿لِيُرِيَكُم مِّنْ ءَايَـاتِه ﴾ يعنى يريكم بإجرائها بنعمته ﴿مِّنْ ءَايَـاتِه ﴾ أي بعض آياته، ثم قال تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ صبار في الشدة شكور في الرخاء، وذلك لأن المؤمن متذكر عند الشدة والبلاء عند النعم والآلاء فيصبر إذا أصابته نقمة ويشكر إذا أتته نعمة وورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلّم "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" إشارة إلى أن التكاليف أفعال وتروك والتروك صبر عن المألوف كما قال عليه الصلاة والسلام "الصوم صبر والأفعال شكر على المعروف".
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٣٣
١٣٥


الصفحة التالية
Icon