ثم قوله تعالى :﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون متعلقاً بما قبله على معنى لستن كأحد إن اتقيتن فإن الأكرم عند الله هو الأتقى وثانيهما : أن يكون متعلقاً بما بعده على معنى إن اتقيتن فلا تخضعن والله تعالى لما منعهن من الفاحشة وهي الفعل القبيح منعهن من مقدماتها وهي المحادثة مع الرجال والانقياد في الكلام للفاسق. ثم قوله تعالى :﴿فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِه مَرَضٌ﴾ أي فسق وقوله تعالى :﴿وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا﴾ أي ذكر الله، وما تحتجن إليه / من الكلام والله تعالى لما قال :﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ ذكر بعده ﴿وَقُلْنَ﴾ إشارة إلى أن ذلك ليس أمراً بالإيذاء والمنكر بل القول المعروف وعند الحاجة هو المأمور به لا غيره.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٨
١٦٩
قوله تعالى :﴿وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ﴾ من القرار وإسقاط أحد حرفي التضعيف كما قال تعالى :﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ وقيل بأنه من الوقار كما يقال وعد يعد عد وقول :﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى ﴾ قيل معناه لا تتكسرن ولا تتغنجن، ويحتمل أن يكون المراد لا تظهرن زينتكن وقوله تعالى :﴿الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى ﴾ فيه وجهان أحدهما : أن المراد من كان في زمن نوح والجاهلية الأخرى من كان بعده وثانيهما : أن هذه ليست أولى تقتضي أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة كقول القائل : أين الأكاسرة الجبابرة الأولى.
ثم قال تعالى :﴿وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ﴾ يعني ليس التكليف في النهي فقط حتى يحصل بقوله تعالى :﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى ا وَأَقِمْنَ﴾ بل فيه وفي الأوامر ﴿إِلَى الصَّلَواةِ﴾ التي هي ترك التشبه بالجبار المتكبر ﴿وَقَرْنَ فِى﴾ التي هي تشبه بالكريم الرحيم ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ﴾ أي ليس التكليف منحصراً في المذكور بل كل ما أمر الله به فأتين به وكل ما نهى الله عنه فانتهين عنه.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو الله ولا تنفعن الله فيما تأتين به. وإنما نفعه لكن وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن، وقوله تعالى :﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ فيه لطيفة وهي أن الرجس قد يزول عيناً ولا يطهر المحل فقوله تعالى :﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ﴾ أي يزيل عنكم الذنوب ويطهركم أي يلبسكم خلع الكرامة، ثم إن الله تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين بقوله :﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ﴾ ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم، واختلفت الأقوال في أهل البيت، والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبي عليه السلام وملازمته للنبي.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٩
١٦٩
ثم قال تعالى :﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ أي القرآن ﴿وَالْحِكْمَةِ ﴾ أي كلمات النبي عليه السلام إشارة إلى ما ذكرنا من أن التكاليف غير منحصرة في الصلاة والزكاة، وما ذكر الله في هذه الآية فقال :﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى ﴾ ليعلمن الواجبات كلها فيأتين بها، والمحرمات بأسرها فينتهين عنها.
(وقوله) :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ إشارة إلى أنه خبير بالبواطن، لطيف فعلمه يصل إلى كل شيء ومنه اللطيف الذي يدخل في المسام الضيقة ويخرج من المسالك المسدودة.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٩
١٧٠


الصفحة التالية
Icon