ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ﴾ لما أمرهن ونهاهن وبين ما يكون لهن وذكر لهن عشر مراتب الأولى : الإسلام والانقياد لأمر الله والثانية : الإيمان بما يرد به أمر الله، فإن المكلف أولاً يقول كل ما يقوله أقبله فهذا إسلام، فإذا قال الله شيئاً وقبله صدق مقالته وصحح اعتقاده فهو إيمان ثم اعتقاده يدعوه إلى الفعل الحسن والعمل الصالح فيقنت ويعبد وهو المرتبة الثالثة : المذكورة بقوله :﴿وَالْقَـانِتِينَ وَالْقَـانِتَـاتِ﴾ ثم إذا آمن وعمل صالحاً كمل فيكمل غيره ويأمر بالمعروف وينصح أخاه فيصدق في كلامه عند النصيحة وهو المراد بقوله :﴿وَالصَّـادِقِينَ وَالصَّـادِقَـاتِ﴾ ثم إن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يصيبه أذى فيصبر عليه كما قال تعالى :﴿وَالصَّـابِرِينَ وَالصَّـابِرَاتِ﴾ ثم إنه إذا كمل وكمل قد يفتخر بنفسه ويعجب بعبادته فمنعه منه بقوله :﴿وَالْخَـاشِعِينَ وَالْخَـاشِعَـاتِ﴾ أو نقول لما ذكر هذه الحسنات أشار إلى ما يمنع منها وهو إما حب الجاه أو حب المال من الأمور الخارجية أو الشهوة من الأمور الداخلة، والغضب منهما يكون لأنه يكون بسبب نقص جاه أو فوت مال أو منع من أمر مشتى فقوله :﴿وَالْخَـاشِعِينَ وَالْخَـاشِعَـاتِ﴾ أي المتواضعين الذين لا يميلهم الجاه عن العبادة، ثم قال تعالى :﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَـاتِ﴾ أي الباذلين الأموال الذين لا يكنزونها لشدة محبتهم إياها. ثم قال تعالى :﴿وَالصَّـا ئِمِينَ وَالصَّـا ئِمَـاتِ﴾ إشارة إلى الذين لا تمنعهم الشهوة البطنية من عبادة الله. ثم قال تعالى :﴿وَالْحَـافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَـافِظَـاتِ﴾ أي الذين لا تمنعهم الشهوة الفرجية.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٠
ثم قال تعالى :﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ يعني هم في جميع هذه الأحوال يذكرون الله ويكون إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقهم وصبرهم وخشوعهم وصدقتهم وصومهم بنية صادقة لله، واعلم أن الله تعالى في أكثر المواضع حيث ذكر الذكر قرنه بالكثرة ههنا، وفي قوله بعد هذا ﴿عَلِيمًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب : ٤١) وقال من قبل :﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب : ٢١) لأن الإكثار من الأفعال البدنية غير ممكن أو عسر فإن الإنسان أكله وشربه وتحصيل مأكوله ومسروبه يمنعه من أن يشتغل دائماً بالصلاة ولكن لا مانع له من أن يذكر الله تعالى وهو آكل ويذكره وهو شارب أو ماش أو بائع أو شار، وإلى هذا أشار بقوله تعالى :﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران : ١٩١) ولأن جميع الأعمال بذكر الله تعالى وهي النية.
ثم قال تعالى :﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً﴾ تمحو ذنوبهم وقوله :﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ ذكرناه فيما تقدم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٠
١٧١
قيل بأن الآية نزلت في زينب حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلّم تزويجها من زيد بن حارثة فكرهت إلا النبي عليه السلام وكذلك أخوها امتنع فنزلت الآية فرضيا به، والوجه أن يقال إن الله تعالى لما أمر نبيه بأن يقول لزوجاته إنهن مخيرات فهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يريد ضرر الغير فمن كان ميله إلى شيء يمكنه النبي عليه السلام من ذلك، ويترك النبي عليه السلام حق نفسه لحظ غيره، فقال في هذه الآية لا ينبغي أن يظن ظان أن هوى نفسه متبعه وأن زمام الاختيار بيد الإنسان كما في الزوجات، بل ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون له اختيار عند حكم الله ورسوله فما أمر الله هو المتبع وما أراد النبي هو الحق ومن خالفهما في شيء فقد ضل ضلالاً مبيناً، لأن الله هو المقصد والنبي هو الهادي الموصل، فمن ترك المقصد ولم يسمع قول الهادي فهو ضال قطعاً.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧١
١٧١
وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بالتحرير والإعتاق ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ همَّ زيد بطلاق زينب فقال له النبي أمسك أي لا تطلقها ﴿وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ قيل في الطلاق، وقيل في الشكوى من زينب، فإن زيداً قال فيها إنها تتكبر علي بسبب النسب وعدم الكفاءة ﴿وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ من أنك تريد التزوج بزينب ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ من أن يقولوا أخذ زوجة الغير أو الإبن ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـاـاه ﴾ ليس إشارة إلى أن النبي خشي الناس ولم يخش الله بل المعنى الله أحق أن تخشاه وحده ولا تخش أحداً معه وأنت تخشاه وتخشى الناس أيضاً، فاجعل الخشية له وحده كما قال تعالى :﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَه وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ ﴾ (الأحزاب :).


الصفحة التالية
Icon