ثم قال تعالى :﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـاكَهَا﴾ أي لما طلقها زيد وانقضت عدتها وذلك لأن الزوجة ما دامت في نكاح الزوج فهي تدفع حاجته وهو محتاج إليها، فلم يقض منها الوطر بالكلية ولم يستغن وكذلك إذا كان في العده له بها تعلق لإمكان شغل الرحم فلم يقض منها بعد وطره، وأما إذا طلق وانقضت عدتها استغنى عنها ولم يبق له معها تعلق فيقضي منها الوطر وهذا موافق لما في الشرع لأن التزوج بزوجة الغير أو بمعتدته لا يجوز فلهذا قال :﴿فَلَمَّا قَضَى ﴾ وكذلك قوله :﴿لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآاـاِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ﴾ أي إذا طلقوهن وانقضت عدتهن، وفيه إشارة إلى أن التزويج من النبي عليه السلام لم يكن لقضاء شهوة النبي عليه السلام بل لبيان الشريعة بفعله فإن الشرع يستفاد من فعل النبي وقوله :﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا﴾ أي مقضياً ما قضاه كائن.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧١
ثم بين أن تزوجه عليه السلام بها مع أنه كان مبيناً لشرع مشتمل على فائدة كان خالياً من المفاسد فقال :
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧١
١٧١
﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه ا سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُا وَكَانَ أَمْرُ﴾ يعني كان شرع من تقدمه كذلك، كان يتزوج الأنبياء بنسوة كثيرة أبكار ومطلقات الغير ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ أي كل شيء بقضاء وقدر والقدر التقدير وبين المفعول والمقدور فرق مقول بين القضاء والقدر، فالقضاء ما كان مقصوداً في الأصل والقدر ما يكون تابعاً له، مثاله من كان يقصد مدينة فنزل بطريق تلك المدينة بخان أو قرية يصح منه في العرف أن يقول في جواب من يقول لم جثت إلى هذه القرية ؟
إني ما جئت إلى هذه وإنما قصدت المدينة الفلانية وهذه وقعت في طريقي وإن كان قد جاءها ودخلها وإذا عرفت هذا فإن الخير كله بقضاء وما في العالم من الضرر بقدر، فالله تعالى خلق المكلف بحيث يشتهي ويغضب، ليكون اجتهاده في تغليب العقل والدين عليهما مثاباً عليه بأبلغ وجه فأفضى ذلك في البعض إلى أن زنى وقتل فالله لم يخلقهما فيه مقصوداً منه القتل والزنا وإن كان ذلك بقدر الله إذا علمت هذا ففي قوله تعالى أولا ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا﴾ وقوله ثانياً ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ لطيفة وهي أنه تعالى لما قال ﴿زَوَّجْنَـاكَهَا﴾ قال ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا﴾ أي تزويجنا زينب إياك كان مقصوداً متبوعاً مقضياً مراعى، ولما قال :﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا ﴾ إشارة إلى قصة داود عليه السلام حيث افتتن بامرأة أوريا قال :﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ أي كان ذلك حكماً تبعياً، فلو قال قائل هذا قول المعتزلة بالتوليد والفلاسفة بوجوب كون الأشياء على وجوه مثل كون النار تحرق حيث قالوا الله تعالى أراد أن يخلق ما ينضج الأشياء وهو لا يكون إلا محرقاً بالطبع فخلق النار للنفع فوقع اتفاق أسباب أوجبت احتراق دار زيد أو دار عمرو، فنقول معاذ الله أن نقول بأن الله غير مختار في أفعاله أو يقع شيء لا باختياره، ولكن أهل السنة يقولون أجرى الله عادته بكذا أي وله أن يخلق النار بحيث عند حاجة إنضاج اللحم تنضج وعند مساس ثوب العجوز لا تحرق، ألا ترى أنها لم تحرق إبراهيم عليه السلام مع قوتها وكثرتها لكن خلقها على غير ذلك الوجه بمحض إرادته أو لحكمة خفية ولا يسأل عما يفعل، فنقول ما كان في مجرى عادته تعالى على وجه تدركه العقول البشرية نقول بقضاء، وما يكون على وجه يقع لعقل قاصر أن يقول لم كان ولماذا لم يكن على خلافه نقول بقدر، ثم بين الذين خلوا بقوله :
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧١
١٧٢
يعني كانوا هم أيضاً مثلك رسلا، ثم ذكره بحالهم أنهم جردوا الخشية ووحدوها بقوله :﴿وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ ﴾ فصار كقوله :﴿فَبِهُدَاـاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ (الأنعام : ٩٠) وقوله :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ أي محاسباً / فلا تخش غيره أو محسوباً فلا تلتفت إلى غيره ولا تجعله في حسابك.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٢
١٧٢


الصفحة التالية
Icon